مستحَقٌّ بالأوّل، دخلت الفاءُ في الجواب. والضَّبُع ههنا: السَّنَةُ. أي: لِأنْ كنتَ كثيرَ القوم عزيزًا، فإن قومي مَوفورون، لم تُهْلِكهم السنون. فأمّا "أنْ" في البيت، فموضعُها نصبٌ بفعل يدلّ عليه قولُه:"لم تأكلهم الضبعُ". تقديرُه: بَقِيتَ، أو سَلِمْتَ، ونحوُهما ممّا يدل عليه قولُه:"لم تأكلهم الضبعُ". ولا يكون منصوبًا بنفسِ "لم تأكلهم الضبع"، لأنّه في خبرِ "إنَّ"، وما بعد "إنَّ" لا يعمل فيما قبلها.
واعلم أنّ البيت يُقوِّي مذهبَ الجزاء في "أمَّا", لأنه ليس معك ما يتعلّق به "أن"، كما كان معك في قولهم:"أمّا أنت منطلقًا انطلقتُ معك"، ولا يجوز إظهارُ الفعل بعد "أمَّا" هنا لِما ذكرناه من كونِ "مَا" نائبةً عنه. وإن أظهرتَ الفعلَ، لم تكن "إمّا" إلّا مكسورة، نحوَ قولك:"إمّا كنت منطلقًا انطلقتُ معك"، فيكون شرطًا مَحْضًا, ولا يجوز حذفُ الفعل بعد "إمّا" المكسورةِ، كما لم يجز إظهارُه بعد "أمَّا" المفتوحةِ، وذلك أنّ "أمَّا" المفتوحَة كثُر استعمالُها حتى صارت كالمَثَل الذي لا يجوز تغييرُه، فأمّا قولُ الشاعر [من البسيط]:
إمّا أقمتَ وأمّا أنت مرتحلًا ... إلخ
فالشاهد فيه:"إمَّا أقمت" بكسر الهمزة. وقد رُوي في "إمَّا أقمت وأمّا أنت مرتحلًا": "وإمّا كُنْتَ". فَمن رواه "كُنْتَ"، كَسَرَ "إمّا" في الأول والثاني لظهور الفعل معهما. ومَن رواه:"وأمّا أنتَ"، كَسَرَ "إمّا" الأولى لظهور الفعل معها، وفتح الثانيةَ لحذف الفعل. ولا يمتنع عند المبرِّد وغيرِه إذا حذفتَ "مَا"، وأتيتَ بالفعل أنّ تفتح، وتكسر. والأولُ أجودُ.