للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقديرُ: "ولو كان الطعامُ تمرًا"، لكن حذفتَ الفعل للعلم بموضعه، إذ كانت "لو" لا يقع بعدها إلّا فعلٌ, لأنّها شرطٌ فيما مضى، كما أنّ "إنْ" شرطٌ فيما يستقبل، فلا يقع بعدها إلّا فعلٌ، ولو رفعتَ "التمر"، فقلت: "ولو تمرٌ"، لجاز أيضًا على تقدير فعلٍ رافعٍ، كأنّك قلت: "ولو كان عندنا"، أو"ولو سقط إلينا تمرٌ".

ومثله "ايتني بدابّةٍ ولو حمارًا" على ذلك، أي: ولو كان حمارًا. ولو رفعتَ وقلت: "ولو حمارٌ"، لكان جائزًا حسنًا على تقدير: "ولو وقع حمارٌ". ولو خفضتَ "الحمار" لجاز أيضًا على تقدير الباء، كأنّك قلت: "ولو أتيتني بحمارٍ". وهو ضعيفٌ, لأنّك تُضْمِر فعلًا والباء. وكلَّما كثُر الإضمارُ كان أضعف. ومثله "ادْفَع الشرّ، ولو إصْبَعًا"، نصبتَ "إصبعًا" على معنى: ولو كان الدَّفْعُ إصبعًا، أي: قَدْرَ إصبع، يعني يسيرًا.

وأمّا قولهم: "أمَّا أنت منطلقًا انطلقتُ معك" فـ "منطلق" منصوبٌ بفعل مضمر. وأصلُ "أمَّا" هاهنا "أنّ" وهي المصدريةُ، ضُمّت إليها "ما" زائدة مُؤكّدةً. ولزمت الزيادةُ هاهنا عوضًا من الفعل المحذوف. والمعنى: لأن كنتَ منطلقًا انطلقتُ معك، أي: لانطلاقك في الماضي، انطلقتُ معك. وإنّما قدّرناها في الماضي, لأنّك أوليتها الماضي، ولو أَوْليتها المستقبلَ، لقدّرتَها بالمستقبل، وحسُن حذفُ الفعل لإحاطة العلم بأنّ هذه الخفيفةَ لا يقع بعدها الاسمُ مبتدَأ، وصار لذلك بمنزلةِ "إن" الشرطيّةِ في دلالتها على الفعل. و"أَنْتَ" مرتفعٌ بالفعل الذي صار "ما" عوضًا عنه، وهو"كَانَ" و"أنْ" من "أمَّا" في موضع نصب بـ "انطلقتُ"، والمعنى: انطلقتُ لأن كنت منطلقًا، فلمّا أُسقطت اللام، وصل الفعلُ، فَنَصَبَ. وليست "أمَّا" هذه جزاءً. قال سيبويه (١): وسألتُه - يعني الخليل: "أمّا أنت منطلِقًا أنطلِقُ معك" فَرَفَعَ، وهو قولُ أبي عمرو ويونسَ، ولو كان جزاءً لجزمه. والكوفيون يذهبون إلى أنّ "أنّ" المفتوحة هنا في معنى الشرط، و"ما" زائدةٌ، والفعلُ الناصبُ محذوفٌ على ما ذكرنا، حكى ذلك أبو عمر الجَرْميُّ عن الأصمعيّ. ويحملون قوله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (٢) على ذلك، وتُؤيِّده قراءة حَمْزَةَ (٣) {إنْ تضلّ إحداهما} بكسر الهمزة، المعنى عندهم واحدٌ، وأمّا قوله [من البسيط]:

أَبَا خُراشَةَ أَمَّا أنتَ ذا نَفرٍ ... فإنّ قَوْمِيَ لم تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ

فإنَّ البيت لعَبّاس بن مِرْداسٍ، والشاهدُ فيه نصبُ "ذا نفر" على "أن كان ذا نفر". فحُذفت "كَانَ"، وجُعلت زيادةُ "مَا" لازمة عوضًا من الفعل المحذوف. ولأجلِ أنّ الثاني


(١) الكتاب ٣/ ١٠١.
(٢) البقرة: ٢٨٢.
(٣) وكذلك الأعمش. انظر: البحر المحيط ٢/ ٣٤٨؛ وتفسير الطبري ٦/ ٦٣؛ وتفسير القرطبي ٣/ ٣٩٧؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٣٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>