وإن أنشدت شعراً أو حدثت حديثاً قلت صادقاً، بإضمار قال. وإذا رأيت من يتعرض لآمر قلت متعرضاً لعنن لم يعنه، أي دنا منه متعرضاً.
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ الحال قد يُحذف عاملُه إذا كان فعلًا وفي الكلام دلالةً عليه، إمّا قرينةُ حالٍ، أو مَقالٍ. فمن ذلك أن ترى رجلًا قد أزمعَ سَفَرًا، أو أراد حَجًّا، فتقول:"راشِدًا مَهْدِيًّا"، وتقديره:"اذْهَبْ راشدًا مهديًّا". ومثله أن تقول لِمن خرج إلى سَفَر:"مُصاحَبًا مُعانًا". وتقديره "اذهبْ، أو سافِرْ مصاحبًا معانًا". فدلّت قرينةُ الحال على الفعل، وأغنتْ عن اللفظ به. ولو رفعتَ هذه الأشياء، وقلت:"راشدٌ مهديٌّ"، و"مصاحَبٌ مُعانٌ"، لكان جيْدًا عربيًّا على معنى:"أنت راشدٌ مهديٌّ"، و"مصاحبٌ معانٌ". فالرفع بإضمار مبتدأ هو الظاهر في المعنى، والنصبُ بإضمار فعل، وكذلك لو رأيت رجلًا قد قدم من سفرٍ، أو حَجٍّ، أو زيارةٍ، لقلت:"مأجورًا مبرورًا". والمعنى: قدمت مأجورًا مبرورًا، أو رجعتَ مأجورًا مبرورًا. ومن ذلك إن حَدَّثَ فلانٌ بكذا وكذا، قلتَ:"صادقًا والله"، أو أنشد شعرًا، فتقول:"صادقًا والله"، أي: قاله صادقًا، لأنه إذا أنشد، فكأنه قد قال: قال كذا، فقلتَ:"قال صادِقًا". فالرفعُ جائزٌ على إضمار مبتدأ، كما جاز في "راشدٌ مهديٌّ"، و"مصاحبٌ مُعانٌ"، ومن ذلك أن ترى رجلًا قد أَوْقَعَ أمرًا، أو تَعرّضَ له، فتقول:"متعرِّضًا لعَنَنٍ لم يَعْنِهِ"، كأنّه قال:"فَعَلَ هذا متعرِّضًا"، أو "دَنَا من هذا الأمر متعرِّضًا"، والعَنَن: ما عَنَّ لك، أي: عرض لك، والمعنى أنّه دخل في شيء لا يَعْنِيه.
* * *
قال صاحب الكتاب:"ومنه أخذته بدرهم فصاعداً أو بدرهم فزائداً، أي فذهب الثمن صاعداً أو زائداً. ومنه أتميميا مرة وقيسياً أخرى؟ كأنك قلت أتحول. ومنه قوله تعالى:{بلى قادرين}(١) أي نجمعها قادرين.
* * *
قال الشارح: أمّا قولهم: "أخذتُه بدرهم فصاعدًا"، و"بدرهم فزائدًا"، فـ "صاعدًا" و"زائدًا" نصبٌ على الحال، وقد حُذف صاحبُ الحال والعاملُ فيه تخفيفًا لكثرةِ الاستعمال. والتقديرُ: أخذتُه بدرهم، فذهب الثمنُ صاعدًا. فالثمنُ صاحبُ الحال، والفعلُ الذي هو "ذَهَبَ" العاملُ في الحال. وكذلك: أخذتُه بدرهمٍ فزائدًا، تقديرُه: أخذته بدرهم، فذهب الثمنُ زائدًا، كأنّه ابتاع مَتاعًا بأثمانٍ مختلفةٍ، فأخبر بأَدْنَى الأثمان، ثمّ جعل بعضَها يَتْلُو بعضًا في الزيادة والصعودِ، وصار بعضُها مَثَلًا بدرهمٍ وقِيراطٍ، وبعضُها بدرهمٍ ودانِقٍ، وحسُن حذفُ الفعل لأَمْنِ اللبْس.