ولا يحسن عطفُه على الباء في قولك:"بدرهمٍ" لوُجوهٍ: منها أنّ "صاعدًا" و"زائدًا" صفةٌ، ولا يحسن عطفه على الدرهم الموصوفِ.
والوجه الثاني: أنّ الثمن لا يُعطف بعضُه على بعض بالفاء، لأنّه لا يتقدّم بعضُه على بعض، إنّما يقع دفعة واحدة، فلا تقول:"اشترَيْتُ الثوبَ بدرهمٍ فدانقٍ" إنّما ذلك بالواو؛ لأنّها للجمع بين الشيئَيْن من غيرِ ترتيب.
والوجه الثالث: أنّ "صاعدًا" صفةٌ، فلا يحسن أن تجعل "ثمنًا" في موضع الاسم الموصوف، ولا يقع في هذا الموضع من حروف العطف، إلّا الفاءُ، وثمَّ. لو قلت:"أخذتُه بدرهم وصاعدًا" لم يجز؛ لأنّ الأثمان يتلو بعضُها بعضًا، والفاءُ وثُمَّ تَدُلّان على ذلك لإفادتهما الترتيبَ، والواوُ لا تدلّ على ترتيب الفعل، فلذلك لم يجز إلّا الفاءُ وثُمَّ. والفاء أكثرُ في كلام العرب لاتّصالها بما قبلها.
وأمّا قولهم:"أَتَمِيمِيًّا مرّةً وقَيْسِيًّا أُخرى؟ " فإنّه منصوبٌ على الحال، وإن كان اسمًا جامدًا غيرَ مشتقّ من حيثُ كان منسوبًا، والنَّسَبُ يُخرِجه من حيِّز الجُمود إلى حُكم المشتقّات حتى يصير وَصْفًا. والعاملُ فيه فعلٌ محذوفٌ تقديره: أَتحَوَّلُ تميميًّا مرّةٌ وقيسيًّا أُخرى، أو تتنقّلُ، كأنّه رأى رجلاً في حالٍ يكون، ويتحوّل من حال إلى حال لا يَثبت على شيء، فقال:"أتميميًّا مرّةً وقيسيًّا أُخرى؟ ". والمعنى: أتتخلّقُ مرّةً بأخلاق تميمٍ، وتارةً بأخلاق قيسٍ، ولا تعتمِد على خُلْقٍ واحدٍ منهما. كأنّه يُثْبِت له هذه الحال ويُوَبِّخه عليها، وليس يسترشِدُه عمّا يجهله، وإن كان بلفظ الاستفهام.
وحكى سيبويه (١) أنّ رجلاً من بني أَسَدٍ قال يومَ جَبَلَةَ - وهو يومٌ لبني تميمٍ وعامرٍ علي بني أسد وذُبْيانَ، وقد استقبله بعِيرٌ أَعْوَرُ، فنظر الأسديُّ إلى قَوْمه، فقال:"يا بني أسد، أَأَعْوَرَ وذا نابٍ" أَتَى بلفظ الاستفهام ولم يُرِد أن يسترشِدهم ليُخْبِروه عن عَوَره، لكنّه حقّق ذلك حَذَرَهُ، وانهزموا، فقَتل منهم. والفعلُ الناصبُ لـ "أعْوَرَ وذا نابٍ" محذوفٌ تقديره: أتستقبَلون، ودلّ عليه الحالُ المشاهَدةُ.
وهذه المسألة من قبيلِ قولهم:"أقائمًا وقد قعد الناسُ؟ " إلّا أنّ الاسم المنصوب هنا لم يكن مأخوذًا من فعلٍ، فاحْتِيجَ إلى تقدير فعلٍ من غير لفظه، وقياسُه لو قُدّر من لفظه:"أَتَتَمَّمُ تميميًّا مرّةً، وتَتقّيسُ قيسيًّا أُخرى؟ " كما قلت في قولك: "أقائمًا وقد قعد الناس؟ "
ويجوز الرفعُ في قولك:"أتميميًّا مرّةً، وقيسيًّا أُخرى؟ " فتقول: "أتميمىٌّ مرّةً، وقيسىٌّ أُخرى؟ " على معنى: "أَأَنت تميميٌّ مرّةَ، وقيسيٌّ أُخرى؟ " فيكون مبتدأً وخبرًا، وجاز الرفعُ بتقديرِ المبتدأ، كما ترفعهُ لو ظهر ذلك المبتدأُ المقدَّرُ.