للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّما هو بمنزلةِ "أَثلجتُ"، في "أوْلَجْتُ"، ولا يقاس عليه فيقالَ في "أَوْغَلْتُ": "أَتْغَلْتُ"، وإانّما بابُ ذلك الشعرُ ضرورةَ. وأنشد الفرزدق [من الكامل].

راحتْ بمَسْلَمَةَ البِغالُ عَشِيّةً ... فَارْعَيْ فَزارةُ لا هَناكِ المَرْتعُ (١)

الشاهد فيه قلبُ هذه الهمزة ألفًا، والقياسُ أن تجعل بين بين، لكنّه لمّا لم يَتّزن له البيتُ بحرف متحرّك، أبدل منها الألفَ ضرورةً. وهذا أحدُ ما يدلّ على أنّ همزة بين بين متحرّكةٌ، وليست ساكنة كما زعم الكوفيون (٢). وممّا يدل أنّها متحرّكةٌ قول الشاعر [من الطويل]:

١٢٤٩ - أَأَن زُمَّ أَجْمالٌ وفارَقَ جيرَةٌ ... وصاحَ غرابُ البَيْنِ أنتَ حَزِينُ

فالهمزة ها هنا بين بين, لأنّه لا يُجمع بين همزتَين محقّقتين، فلو كانت الهمزة هاهنا ساكنةً، لانكسر البيت, لأنه لا يُجْمَع في الشعر بين ساكنين إلّا في قَوافٍ مخصوصة. يقول هذا حين عُزل مَسْلَمَةُ بن عبد الملك عن العراق. ومن ذلك قول حسّان [من البسيط]:

سالتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحِشَةً ... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تصِبِ (٣)

الشاهد فيه قوله: "سالت"، والمراد: سَأَلَتْ بالهمزة، ولا يقال: إن "سَالَ يَسالُ"


(١) تقدم بالرقم ٦٦٥.
(٢) انظر المسألة الخامسة بعد المئة في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص٧٢٦ - ٧٣١.
١٢٤٩ - التخريج: البيت لكثير عزّة في ديوانه ص ١٧٠؛ وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ١٤٤؛ ولسان العرب ١٢/ ٢٥٨ (روم)؛ والمنصف ٢/ ١٩٢.
اللغة: زَمَّ: تقدّم في السير. البين: الفراق.
المعنى: يتساءل هل يكفي أن تُجبر الجمال على المسير، وأن يفارق جيرانه، وأن يصيح الغراب لفراق الأحباب حتى يكون حزينًا مهمومًا؟!
الإعراب: "أأن": الهمزة: حرف استفهام، و"أن": حرف مصدريّ. "زم": فعل ماضٍ مبنى للمجهول مبني على الفتح. "أجمال": نائب فاعل مرفوع بالضمّة. "وفارق": الواو: حرف عطف، وفعل ماضٍ مبني على الفتح. "جيرة": فاعل مرفوع بالضمّة الظاهرة. "وصاح": الواو: حرف عطف، وفعل ماضٍ مبني على الفتح. "غراب": فاعل مرفوع بالضمّة، وهو مضاف. "البين": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "أنت": ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ. "حزين": خبر مرفوع بالضمّة.
والمصدر المؤول من "أن زمّ": في محلّ نصب على نزع الخافض، والتقدير: أَلِزَمّ أَجْمالٍ وفراق جيرة ... ". وجملة "أنت حزين": في محلّ نصب مفعول به (مقول القول).
والشاهد فيه قوله: "أأن" حيث جاءت الهمزة هنا بين بين. ومتحَرِّكَةً، وليست ساكنةً كما زعمَ الكوفيون.
(٣) تقدم بالرقم ٦٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>