للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسرة، لنحوتَ بها نحو الألف، والألفُ لا يكون ما قبلها مضمومًا أو مكسورًا، بل ذلك مُحالٌ، فلذلك عدلوا إلى القلب.

وإذا كانت مكسورة وقبلها متحرّكٌ، وأريد تخفيفها، جُعلت بين بين، سواءً كانت الحركة فتحةً أو ضمّةً أو كسرةً، فتقول فيما كان قبلها فتحةٌ: "سَئيمَ" في تخفيفِ "سَئِمَ"، وبَيس" في تخفيفِ "بَئِسَ وفي المنفصل: {وَإذْ قَالَيْبراهِيمُ} (١). وذلك لأنّها مكسورة تقرّبها في التخفيف من الياء، كما كانت مع الفتحة بين الألف والهمزة. والياء ممّا يسلم بعد الفتحة المحضة، فما ظَنُّك فيما قرُب منها؟ وتقول فيما كان قبلها ضمّةٌ، نحو. "سئُيْلَ"، و"دُئيلَ"، و"عبدُ يئبْراهيمَ". تجعلها بين بين في التخفيف. وقياسُ مذهب الأخفش أن تُخلِّصها ياءً على ما سنوضِح في الهمزة المضمومة إذا انكسر ما قبلها. قياسُهما واحدٌ.

فأمّا إذا انكسر ما قبلها، فإنّ تخفيفها بأن تكون بين بين بلا خلاف من نحو: "عَبْدِئيِبراهيمَ"، إذ لا مانعَ من ذلك.

فإن كانت الهمزة المتحرّكة مضمومة، وما قبلها متحرّكٌ، فأمرُها كذلك في التخفيف، وذلك أن تجعلها بين بين، وذلك بأن تضعّف صوتَها, ولا تُتِمّه، فتقرُب حينئذ من الواو الساكنة سواءَ كان ما قبلها مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا. هذا مذهب سيبويه، قال (٢): وهو كلام العرب، وذلك قولك فيما كان قبلها فتحةٌ: "لَؤُمَ"، و"أكرمتُ عَبْدَؤُختِهِ وفيما كان قبلها ضمّةٌ قولك: "مُؤُونٌ"، و"رُؤُوسٌ وفي المنفصل: "هذا عبدُ أُخْتِك"، و"أكلتُ أترُجَّةً"، وفيما كان قبلها كسرةٌ، نحو: يَسْتَهزِؤُونَ، و"من عبدِ أُخْتِك".

كلُّ ذلك تجعله بين بين عند سيبويه، وكان الأخفش يقلبها ياء إذا كان قبلها كسرةٌ، ويحتجّ بأنّ همزة بين بين تُشْبِه الساكنَ للتخفيف الذي لحقها , وليس في الكلام كسرةٌ بعدها واوٌ ساكنةٌ. قال: فلو جُعلت بين بين، لنُحي بها نحو الواو الساكنة وقبلها كسرةٌ، وهو معدوم. وهو قول حسن، وقولُ سيبوية أحسنُ؛ لأنّ الواو الساكنة لا يستحيل أن يكون قبلها كسرةٌ كما استحال ذلك في الألف، وإنّما عدولُهم عن ذلك لضرب من التثقيل. وإذا لم يستحل ذلك في الواو الساكنة، لم يمتنع فيما قارَبَها.

وقومٌ من العرب يُبْدِلون من هذه الهمزات التي تكون بين بين حروفَ لين، فيبدلون من المفتوحة المفتوحِ ما قبلها ألفًا، فيقولون في "سَأَلَ": "سالَ"، وفي "قَرَأ": "قَرا"، وفي "مِنْسَأَةٍ"، "مِنْسَاةٌ"، ومن المضمومة المضمومِ ما قبلها واوًا، ومن المكسورة المكسورِ ما قبلها ياءٌ. وذلك شاذ ليس بمُطّرِد. قال سيبويه (٣). وليس بقياس متلئبّ،


(١) الزخرف: ٢٦.
(٢) الكتاب ٣/ ٥٤٢.
(٣) الكتاب ٣/ ٥٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>