للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُريد أن من يقصد الخَوارجَ ويُخالِفها، أُدافِعه، وأُحارِبه، وأتَّقِيه. ومن ذلك قولُ رُؤبَةَ [من الرجز]:

يا أبَتَا عَلَّكَ أو عَسَاكَا

وقبله:

تَقُول بِنْتِي: قد أَنَى أناكَا

الشاهد فيه "عساكا"، ووضعُ ضمير النصب موضعَ ضمير الرفع. والمعنى: إنّه قد حان وقتُ رَحيلكَ في طَلَبِ الرزق، وقولُه: "عَلَكَ"، أي: لَعَلكَ إن سافرتَ أصبتَ مُلْتمَسَك.

* * *

قال صاحب الكتاب: واختلف في ذلك: فمذهب سيبويه (١) , وقد حكاه عن الخليل ويونس أن الكاف والياء بعد "لولا" في موضع الجر، وأن لـ "لولا" مع المكنى حالاً ليس له مع المظهر، كما أن لـ "لدن" مع "غدوة" حالاً ليست له مع غيرها. وهما بعد عسى في محل النصب بمنزلتهما في قولك:"لعلك", و"لعلي". ومذهب الأخفش أنهما في الموضعين في محل الرفع، وأن الرفع في "لولا" محمول على الجر، وفي "عسى" على النصب، كما حمل الجر على الرفع في قولهم: "ما أنا كأنت" والنصب على الجر في مواضع.

* * *

قال الشارح: لما ورد عنهم "لَوْ لايَ"، وَ"لَوْلاكَ"، و"عساكَ"، و"عساني"، وليست هذه الكناياتُ من ضمائرِ المرفوع، والموضعُ موضعُ رفع، تَشعَّب فيه أراءُ الجماعة.

فذهب سيبويه إلى أن موضعَ الضمير في "لولايَ"، و"لولاكَ" خفضٌ، وحكاه عن الخليل ويونسَ، واحتجّ بأن الياء والكاف لا يكونان علامةَ مضمرٍ مرفوع، وأنّ "لَوْلَا" في عَمَلِها الخفضَ مع المكنى، وإن كانت لا تعمله مع الظاهر بمنزلةِ "عَسَى" في عملها النصبَ مع المكنى، نحوِ: "عساك"، و"عساني"، وإن كان عملُها مع الظاهر الرفعَ، فَلِ"عسى"، ولـ"لَوْلَا" مع المضمر حال تُخالِف الظاهرَ. كما أنّ لـ"لَدُنْ" مع "غُدْوَةٍ" حالًا ليست مع غيرها. ألا تراها تنصبها دون أن تنصب غيرَها. والمرادُ أنه غيرُ مستنكَر أن يكون للحرف عملٌ في حالٍ، لا يكون له في حالٍ أُخرى. وحاصلُه إبرازُ نظيرٍ ليقعَ الاستئناسُ به. ومن ذلك "لَاتَ" من قوله تعالى: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (٢)، فإنّها تعمل في الأحيان عَمَلَ "لَيْسَ"، ومع غيرها لا يكون لها عملٌ.

فإن قيل: إذا جعلتم "لَوْلَا" خافضة، وحروفُ الخفض جيء بها لإيصالِ (٣) الأفعال


(١) الكتاب ٢/ ٣٧٣، ٣٧٤.
(٢) ص:٣.
(٣) في الطبعتين: "لاتصال"، وهذا تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>