للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم السؤال الرابع: بالألف مع "أم"، وهو لتفصيلِ ما أجملتْه "أيّ"، فتقول: "أزيد عندك أم عمرو؟ " و"أزيدًا لقيتَ أم بشرًا؟ " فمعناه: أيهما عندك؟ وأيهما لقيتَ؟ ولا تُعادَل أم هذه إلَّا بالهمزة، وينبغي أن يجتمع في "أمْ" هذه ثلاثُ شرائط حتى تكون متصلة. أحدها: أن تُعادِل همزةَ الاستفهام، والثاني: أن يكون السائل عنده علمُ أحدهما، والثالث: أن لا يكون بعدها جملة من مبتدأ وخبر، نحوُ قولك: "أزيدٌ عندك أم عمرو عندك"؟ فقولك بعدها: "عمرو عندك" يقتضي أن تكون منفصلة، ولو قلت: "أَم عمرو"، من غير خبر، كانت متصلة. وتقول: "أأعطيتَ زيدًا أم حرمتَه"؟ فتكون متصلة أيضًا؛ لأن الجملة بعدها إنما هي فعل وفاعل، وليست ابتداء وخبرًا.

والجواب عن هذا السؤال، إن كان قد فعل واحدًا منهما، التعيينُ؛ لأن الكلام بمنزلةِ "أيهما"، و"أيهم"، ولا يكون "لا"، ولا "نَعَمْ"؛ لأن المتكلّم مُدعٍ أن أحد الأمرَين قد وقع، ولا يدري أي الأمرين هو، ولا يعرفه بعينه، فهو يسأل عنه من يعتقد أن عِلمَ ذلك عنده ليُعرفه إياه عينًا. فإن كان الأمر على غير دَعْواه؛ كان الجواب: "لم أفعلْ واحدًا منهما".

وقيل لها: "متصلة" لاتصال ما بعدها بما قبلها وكَوْنِه كلامَا واحدًا، وفي السؤال بها معادَلة وتسوية؛ فأمّا المعادلة فهي بين الاسمَيْن، جعلت الاسم الثاني عديلَ الأول في وقوع الألف على الأول، و"أمْ" على الثاني، ومذهبُ السائل فيهما واحدٌ. فأما التسوية فهي أن الاسمَيْن المسؤول عن تعيين أحدهما مستويان في علم السائل، أي الذي عنده في أحدهما مثلُ الذي عنده في الآخر. فمن ذلك قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} (١)، فهذا على التقدير والتوضيح. ومثله قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} (٢)، فهو من الناس استفهام، ومن القديم سبحانه توقيفٌ وتوبيخٌ للمشركين خرج مخرجَ الاستفهام، ولا خيرَ في واحد منهم، إئما هو على ادّعاءهم أن هناك خيرًا، فقُرّعوا بهذا على هذه الطريقة، فاعلم.

وأمّا الضرب الثاني من ضربَيْ "أم"، وهي المنقطعة، فإنما قيل لها: "منقطعة"؛ لأنها انقطعت مما قبلها خبرًا كان أو استفهامًا، إذ كانت مقدرةَ بـ "بَل" والهمزِة على معنى "بَلْ أكَذا". وذلك نحو قولك فيما كان خبرًا: "إنّ هذا لزيدٌ أم عمرو"، كأنك نظرت إلى شخص، فتوهّمتَه زيدًا، فأخبرتَ على ما توهمتَ، ثم أدركك الظن أنه عمرو، فانصرفتَ عن الأول، وقلت: "أم عمرٌو" مستفهمًا على جهة الإضراب عن الأول. ومثلُ ذلك قول العرب: "إنها لإبِلٌ أم شاءٌ" أي: بل أهي شاءُ. فقوله: "إنها لإبلٌ" إخبارُ، وهو كلامُ تام، وقوله: "أم شاء" استفهامٌ عن ظَن وشَك عرض له بعد الإخبار. فلا بد من إضمارِ


(١) النازعات: ٢٧.
(٢) الدخان: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>