للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "لفظًا أو محلاًّ"؛ احترز به من الأسماء التي لا يتبيّن فيها الإعرابُ، وإنّما يُدْرَك البيان من العوامل قبلها، وذلك نحو الأسماء المقصورة، من نحو: "عَصًا"، وَ"رَحًى"؛ والمنقوص في حالتَي الرفع والجرّ, لأن هذه الأسماء معرَبةٌ، وإن لم يظهر فيها إعرابٌ، وإنّما لم يظهر فيها إعراب لنُبُوِّ حرف الإعراب عن تحمُّل الحركات.

وجملة الأمر أنّ المعرب على ضربَيْن: أحدهما: باختلاف في اللفظ بادٍ للأسماع؛ والآخرُ: باختلاف في المحلّ، يقدر تقديرًا من غيرِ أن يُلْفَظ به.

فالاختلافُ في اللفظ يكون بحركة، أو حرف. فالاختلاف بالحركة يكون في كلّ اسم حرفُ إعرابه صحيحٌ، أو جارٍ مجرى الصحيح. فالصحيح ما لم يكن حرفُ إعرابه حرفَ عِلّة، كالواو، والياء، والألف، وذلك نحو: "رجل"، "وفرس". فالآخِرُ من هذه الكَلِم قد اختلف بحسبِ تعاقُب العوامل في أوّلها، وهو: الابتداء، ورأيت، والباء (١).

وقوله: "أو ما كان جاريًا مجراه"؛ يريد أو ما كان جاريًا مجرى الصحيح من المعتل، وذلك إذا سكن ما قبل حرف العلّة منه، وإنّما يتأتى ذلك في الواو، والياء.

فأمّا الألف فلا يمكن سكونُ ما قبلها، وإذا سكن ما قبل حرف العلّة، جرى مجرى الصحيح في تعاقُب حركات الإعراب عليه، نحو قولك: "هذا غَزْوٌ وظَبْيٌ"، و"رأيت غزوًا وظبيًا"، و"مررت بغزوٍ وظبي". وإنما كان كذلك لأنّ الواو إذا انضمّ ما قبلها، والياءَ إذا انكسر ما قبلها، أشبهتا الألفَ، وصارتا مَدَّتَيْن، كما أن الألف كذلك، فحينئذ تثقل الضمّةُ والكسرةُ عليهما، كثقلهما على الألف، إلَّا أن امتناع الألف من الحركة للتعذّر، وامتناعَ الواو والياء منها نوعُ استحسانٍ للثقل، مع إمكان الإتيان بهما فيهما. فأمّا إذا سكن ما قبل الواو والياء، زال المَدّ منهما، وفارقتا الألفَ بذلك، فجرتا لذلك مجرى الصحيح، ولم يثقل عليهما ضمّةٌ وكسرةٌ.

وكذلك الواو المشدّدة، والياء المشدّدة، تدخلهما حركاتُ الإعراب من غير ثقل؛ تقول: "هذا عَدُوٌّ وكُرْسِيٌّ"، و"رأيت عدوًّا وكرسيًّا"، و"مررت بعدوٍّ وكرسيٍّ ". وذلك لأنّ الحرف المشدَّد يُعَدّ بحرفَيْن، الأوّل منهما ساكنٌ، والثاني متحرّك. والواوُ الأولى من "عدوّ" والياءُ الأولى من "كرسيّ" بمنزلة الزاي من "غَزْوٍ"، والباء من "ظَبْي" والحاء من "نُحْيٍ" في السكون، فلذلك كان حكمُهما في تعاقُب الحركات عيهما واحدًا.

فإن قيل: "قد اشترطتم في الاسم المعرب بالحركات أن يكون حرفُ إعرابه صحيحًا، فما تعنون بحرف الإعراب"؟ فالجواب: أن المراد بقولنا: "حرف الإعراب":


(١) الابتداء عامل الرفع في المبتدأ، و"رأيت" تنصب المفعول به، والباء حرف جَرّ. والشارح مثل بها عن العوامِل المختلفة، ولكنه لم يُمثِّل عن الجوازم لأنه- كما قال- أراد الأسماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>