فإن قيل: فإذا كان العطف إنما هو اشتراكُ الثاني في إعراب الأوّل، فيلزم من هذا أن تسمّي سائر التوابع عطفًا؛ لمشاركتها الأوّلَ في الإعراب، قيل: لَعَمْرِي لقد كان يلزم ذلك، إلَّا أنهم خضّوا هذا البابَ بهذا الاسم للفرق، كما قالوا:"خابئَةٌ"؛ لأنه يُخبَأ فيها، ولم يُقَل ذلك لغيرها ممّا يُخْبَأ فيه، وكما قيل لإناء الزُّجاج:"قارُوَرَةٌ", لأنّ الشيء يقرّ فيها، ولا يُقال لكلِّ ما استقرّ فيه شيءٌ:"قارورة".
واعلم أنهم قد اختلفوا في العامل في المعطوف، فذهب سيبويه وجماعة من البصريين إلى أن العامل فيه العامل في الأوّل، فإذا قلت:"ضربت زيدًا أوعمرًا"، فزيدٌ وعمرٌو جميعًا انتصبا بـ "ضربت"، والحرفُ العاطف دخل بمعناه، وشرّك بينهما. ويؤيّد هذا القولَ اختلافُ العمل لاختلاف العامل الموجود، ولو كان العمل للحرف لم يختلف عملُه؛ لأن العامل إنما يعمل عملًا واحدًا إمّا رفعًا، وإمّا نصبًا، وإمّا خفضًا، وإمّا جزمًا.
وذهب قوم إلى أن العامل في الأوّل الفعل المذكور، والعامل في المعطوف حرف العطف؛ لأن حرف العطف إنما وُضع لينوبَ عن العامل، ويُغْنِيَ عن إعادته، فإذا قلت:"قام زيدٌ وعمرٌو"؛ فالواو أغنت عن إعادةِ "قَامَ" مرّةً أخرى، فصارت ترفع كما ترفع "قَامَ". وكذلك إذا عطفت بها على منصوب، نحوَ قولك:"إنَّ زيدً وعمرًا منطلقان"، فالواو تنصب كما تنصب "إنَّ". وكذلك في الخفض إذا قلت:"مررت بزيدٍ وعمرٍو"، فالواو جرّت كما جرّت الباء. وهو رأي ابن السرّاج، وقد تقدّم وجه ضُعْفه، مع أن العامل ينبغي أن يكون له اختصاصٌ بالمعمول، وحرفُ العطف لا اختصاص له؛ لأنه يدخل على الاسم والفعل، فلم يصح عمله في واحد منهما.
وذهب قومٌ آخرون إلى أن العامل الفعل المحذوف بعد الواو؛ لأن الأصل في قولك:"ضربت زيدًا وعمرًا": "ضربت زيدًا، وضربت عمرًا"، فحُذف الفعل بعد الواو لدلالة الأوّل عليه. واحتجّ هؤلاء بأنّه يجوز إظهارُه، فكما أنّه إذا ظهر كان هو العامل، فكذلك يكون هو العامل إذا كان محذوفًا من اللفظ مرادًا من جهة المعنى. وهذا رأي أبي عليّ الفارسيّ، ورأي أبي الفتح عثمان بن جِنِّي، وإن كان ابن بَرْهانَ قد حكى في شرحه أن العامل في المعطوف الحرف العاطف، والذي نصّ عليه أبو عليّ في الإيضاح الشعْريّ، وكذلك ابن جنّي في سِرّ الصناعة أنّ العامل في المعطوف ما ناب عنه الحرفُ العاطف لا العاطفُ نفسه.
وأرى ما ذهب إليه ابن جنّي من القول بأنّ العامل في المعطوف الفعل المحذوف لا ينفكّ عن ضعفٍ، وإن كان في الحُسْن بعد الأوّل, لأن حذفه إنما كان لضرب من الإيجاز والاختصار، وإعمالُه يؤذن بإرادته، وذلك نقضٌ للغرض مِن حذفه.
وحروف العطف عشرة على ما ذكر، وهي:"الواو"، و"الفاء"، و"ثُمَّ"، و"حَتَّى"، و"أوْ"، و"أمْ"، و"إمَّا"، مكسورةً مكرَّرةُ، و"بَلْ"، و"لكِنْ"، و"لا". فالأربعة الأوَل