للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متواخيةٌ؛ لأنها تجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد، وهو الاشتراك في الفعل، كقولك: "قام زيدٌ وعمرٌو"، و"ضربت زيدًا وعمرًا"، فالقيام قد وجب لهما، والضرب قد وقع بهما، وكذلك "الفاء"، و"ثمّ"، و"حتّى" يجب بهنّ مثلُ هذا المعنى، نحوُ: "ضربت زيدًا فعمرًا". وكذلك "ثُمَّ"، نحوَ: "ذهب عبد الله ثمّ أخوه". وكذلك "حَتَّى"، نحوَ: "رأيت القومَ حتى زيدًا"، إلَّا أنها تفترق في معانٍ أُخرَ من جهة الاتّصال والتراخي والغاية على ما سيُذكَر من معنى كلّ حرف منفردًا إن شاء الله.

والثلاثة التي تليها في العدّة متواخيةٌ، وهي "أوْ"، و"أمْ"، و"إمَّا" من جهةِ أنّها لأحد الشيئَين أو الأشياء، وإن انفصلت أيضًا من وجوه أُخر.

و"بَلْ" و"لكِنْ" متواخيتان, لأن الثاني فيهما على خلاف معنى الأوّل في النفي والإثبات، و"لا" مفردةٌ.

فأمّا حَصْرها عشرةً، فعليه أكثرُ الجماعة، وقد ذهب قوم إلى أنها تسعةٌ، وأسقطوا منها "إمَّا"، وهو رأيُ أبي عليّ، قال: لأنها لا تخلو إمّا أن تكون العاطفة الأولى أو الثانيةَ. ولا يجوز أن تكون الأُولى؛ لا العطف إمّا أن يكون مفردًا على مفرد، وإمّا جملةً على جملة، وليس الأمر فيها كذلك. ولا تكون الثانية لأن الواو قد صحبتْها، ولا يجتمع حرفان بمعنى واحد.

وذهب آخرون إلى أنها ثمانيةٌ، وأسقطوا منها "حَتَّى". قالوا: لأنها غايةٌ. وذهب ابن دُرُسْتَوَيْهِ إلى أن حروف العطف ثلاثة لا غير: "الواو"، و"الفاء"، و"ثُمَّ". قال: لأنّها التي تُشْرِك بين ما بعدها وما قبلها في معنى الحديث والإعراب. وليس كذلك البواقي، لأنّهن يُخْرِجن ما بعدهنّ من قصّةِ ما قبلهنّ.

والمذهبُ الأول لِما قدّمناه من أنّ معنى العطف حملُ الثاني على الأوّل في إعرابه وإشراكه في عمل العامل، وإن لم يَشْرَكْه في معناه، وذلك موجودٌ في جميعها. فأمّا اختلاف المعاني، فذلك أمرٌ خارجٌ عن معنى العطف. ألا ترى أن حروف الجرّ تجتمع كلّها في إيصال معاني الأفعال، وإن اختلفت معانيها من نحو ابتداء الغاية، وانتهاء الغاية، والإلصاق، والمِلْك، وغير ذلك؟

واعلم أن العطف على ثلاثة أضرب: عطفُ اسم على اسم إذا اشتركا في الحال، كقولك: "قام زيدٌ وعمرٌو". ولو قيل: "مات زيدٌ والشمسُ"، لم يصحّ؛ لأن الموت لا يكون من الشمس، وعطفُ فعل على فعل إذا اشتركا في الزمان، كقولك: "قام زيدٌ وقعد". ولو قُلْتَ: "ويقعد"، لم يجز لاختلاف الزمانَيْن. وعطفُ جملة على جملة، نحوُ: "قام زيدٌ، وخرج بكرٌ"، و"زيدٌ منطلقٌ، وعمرٌو ذاهبٌ".

والمراد من عطف الجملة على الجملة ربطُ إحدى الجملتَيْن بالأُخرى، والإيذانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>