للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل يُؤْتَى بها على لفظها، وإن قارَبَتِ اللَّحْنَ، نحوَ قولهم: "الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ" (١)، تقوله للمذكر بكسر التاء على التأنيث؛ لأن أصله للمؤنّث، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وهذا الاسم في مثل إبهام الضمير في "نعم"، ومن ثم فسر بما فُسّر به، فقيل: "حبذا رجلاً زيدٌ" كما يقال: "نعم رجلاً زيدٌ", غير أن الظاهر فضل على المضمر بأن استغنوا معه عن المفسر، فقيل: "حبّذا زيدٌ" ولم يقولوا: "نعم زيدٌ"، ولأنه كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل في "نعم", وينفصل في "حبذا".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إن "ذا" من "حبّذا" يجري مجرى الجنس من حيث إنها اسمٌ ظاهرٌ، يكون وُصْلَة إلى أسماء الأجناس، ولذلك لا يوصف إلَّا بها. ومجرى المضمر في "نعم" من جهة إبهامه ووقوعِه على كل شيء كما كان المضمر على شريطة التفسير كذلك، ولذلك فُسِّر بالنكرة، فقيل: "حبّذا رجلًا"، كما تقول: "نعم رجلًا"، إلَّا أنه في "حبّذا" يجوز أن لا تأتي بالمفسِّر، وتقول: "حبّذا زيدٌ"، ولا يجوز ذلك في "نعم"، فلا تقول: "نعم زيدٌ". وذلك لأن "ذا" اسمٌ ظاهرٌ يجري مجرى ما فيه الألف واللام من أسماء الأجناس على ما ذكرنا، فاستغنى عن المفسِّىر لذلك، فكما تقول: "نعم الرجلُ زيدٌ"، ولا تأتي بمفسِّرٍ، كذلك تقول: "حبّذا زيدٌ"، ولا تقول: "نعم زيدٌ". وأيضًا فإنّه ربّما ألبَسَ في "نعم" لو قيل (٢)، ولا يُلْبِس في "حبّذا". وذلك أنّ "حَبَّ" فعلٌ عمل في "ذا" واستوفى ما يقتضيه، فإذا وقع بعده المخصوص بالمدح مرفوعًا، لا يُشْكِل بأن يُتوهّم أنه فاعل؛ لأن الفعل لا يكون له فاعلان، وليست "نِعُم" كذلك؛ لأن فاعلها مستترٌ لا يظهر، فافتقر إلى تفسير. فلو لم تأتِ بالمفسّر، وأوليتَه المخصوص بالمدح مرفوعًا؛ لجاز أن يظنّ ظانٌّ أنه فاعلُ "نعم"، وأنّه ليس في "نعم" فاعلٌ. وهذا معنى قوله: "ولأنه كان لا ينفصل المخصوص عن الفاعل"، يعني في "نعم"، فاعرفه.


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١/ ٣٢٤، ٥٧٥؛ وخزانة الأدب ٤/ ١٠٥؛ والدرّة الفاخرة ١/ ١١١؛ والفاخر ص ١١١؛ وفصل المقال ص ٣٥٧، ٣٥٨، ٣٥٩؛ ومجع الأمثال ٢/ ٦٨؛ والمستقصى ١/ ٣٢٩.
يُضرب لمن يطلب شيئًا قد فوته على نفسه.
(٢) في الطبعتين: "فُعل"، وهذا تحريف وقد صوبته طبعة ليبزغ في ذيل التصحيحات الملحق بها ص ١٤٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>