فصلته من زيد آخَر ليس بعاقلٍ، وأزالت عنه هذه الشركَة العارضَة، أي أنّها اتّفقت من غيرِ قصد من الواضع، إذ الأصلُ في الأعلام أن يكون كلُّ اسم بإزاءِ مسمّى، فينفصِلُ المسمَّيات بالألقاب، إلّا أنّه ربّما ازدحمتِ المسمّياتُ بكَثْرتها، فحصل ثم اشتراكٌ عارضٌ، فأُتي بالصفة لإزالةِ تلك الشركة، ونَفْي اللَّبْس. فصفةُ المعرفة للتوضيح والبيان، وصفةُ النكرة للتخصيص، وهو إخراجُ الاسم من نوع إلى نوع أخصَّ منه.
وقوله:"الذي تُساق له الصفة هو التَّفْرِقة بين المشتركَيْن في الاسم"، يريد: أنّ الصفة تُزيل الاشتراكَ الجِنْسيَّ، نحوَ:"رجل"، و"فرس"، والاشتراكَ العارضَ في المعارف، وقيل: إِنّها للتخصيص في النكرات، وللتوضيح في المعارف على ما ذكرناه. ولمّا كان الغرضُ بالنعت ما ذكرناه من تخصيصِ النكرة وإزالةِ الاشتراك العارض في المعرفة، وجب أن يُجعَل للمنعوت حالٌ تَعرَّى منها مُشارِكُه في الاسم، ليتميّزَ به، وذلك يكون على وجوهٍ: إمّا بخلْقه، نحو:"طويل"، و"قصير"، و"أبيضَ"، و"أسودَ"، ونحوِها من صفاتِ الحِلْية، وإمّا بفعل اشتهر به، وصار لازمًا له. وذلك على ضربَيْن: آليّ، وهو ما كان عِلاجًا، نحوَ:"قائمٍ"، و"قاعد"، و"ضارب" و"آكل" ونحوِها، ونَفْسانىٌّ، نحو:"عاقل"، و"أحمقَ"، و"سَقِيم"، و"صَحيح"، و"فَقير"، و"غَنِيّ"، و"شريف"، و"ظريف"، و"وضيع"، و"مُكرَم"، و"مُهان" إذا اشتهر بوقوعِ ذلك به. وإذا بحِرفَةٍ، أو أمرٍ مُكْتَسبٍ، نحو"بَزاز"، و"عَطار"، و"كاتِب"، ونحو ذلك. وإِمّا بنَسَب إلى بَلَد، أو أب، نحوِ:"قُرَشي"، و"بَغْداديّ"، و"عَرَبيّ"، و"عَجَميّ"، ونحوِ ذلك من الخاضة التي لا تُوجَد في مُشارِكه فاعرفه.
قال صاحب الكتاب: وقد تجيء مسوقة لمجرد الثناء والتعظيم كالأوصاف الجارية على القديم سبحانه, أو لما يضاد ذلك من الذم والتحقير، كقولك فعل فلان الفاعل الصانع كذا, وللتأكيد كقولهم أمس الدابر وكقوله تعالى:{نفخة واحدة}(١).
* * *
قال الشارح: وقد يجيء النعتُ لمجرَّد الثناء والمَدْح، لا يراد به إزالةُ اشتراك، ولا تخصيصُ نكرة، بل لمجرّد الثناء والمَدْح، أو ضِدَّهما من ذَمِّ أو تحقيرٍ، وتعريفِ المخاطب من أمرِ الموصوف ما لم يكن يعرفُه، وذلك نحو قولك:"جاءني زيدٌ العاقلُ الكريمُ الفاضلُ"، تريد بذلك تَنْوِيهَ الموصوف والثناءَ عليه بما فيه من الخِصال الحميدة.
ومن ذلك صفاتُ البارىء سبحانه، نحو:"الحَيّ العالم، القادر" لا تريد بذلك فَصْلَه من شريكِ الله، تعالى عن ذلك، وإنَّما المرادُ الثناء عليه بما فيه سبحانه على جهةِ الإخبار عن نفسه بما فيه، لمعرفةِ ذلك والندْبِ إليه.