للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرّرتَ المنفيَّ، جاز في الثاني الإِعراب والبناءُ، وذلك قولك: "لا ماءَ ماءً بارِدًا"، وإن شئتَ لم تُنوِّنْ".

* * *

قال الشارح: إنّما قال: "المُفْرَد" تحرُّزًا من المضاف، نحوِ: "لا غلامَ رجلٍ"، فإن وصفتَ المضاف، لم يجز فيه البناءُ ألبتّةَ.

فإذا وصفت المنفي المفرد، جاز لك في الصفة وجهان:

أحدُهما: أن تبني الصفةَ والموصوفَ، وتجعلهما اسمًا واحدًا على "خمسةَ عشرَ"، وذلك لأنّ الموضع موضعُ بناءٍ وتركيبٍ، وتركيبُ الاسم مع الاسم أكثرُ من تركيب الحرف مع الاسم، نحوُ: "خمسةَ عشرَ"، وبابِه، وهو "جاري بَيْتَ بَيتَ"، ونحوِه، فكأنّ الثاني دخل عليهما بعد تركيبهما, ولم يجز تركيبُه معهما أيضًا, لأنّه ليس من العَدْل جعلُ ثلاثةِ أشياءَ شيئًا واحدًا.

والوجه الثاني: أن تُعرِبه، ولك في إعرابه وجهان: أحدهما أن تُتْبِعه اللفظَ، فتنصبه، وتُنوَّنه، فتقول: "لا رجلَ ظريفًا عندك". فإن قلت كيف جاز حملُ الصفة على اللفظ، والأوّلُ مبنيٌّ، والثاني معربٌ؟ قيل: لمّا اطّرد البناءُ ههنا في كلّ نكرة تقع هذا الموقعَ، أشبهتْ حركتُه حركةَ المعرب، فجاز أن يوصَف على لفظه، ويُعْطَف عليه، وإن كان مبنيًّا. ومثلُه الحمل على حركةِ البناء في المنادَى العَلَم، نحوُ قولك: "يا زيدُ الظريفُ" بالرفع حملًا على اللفظ، وإن كان مبنيًّا, وليس لك حركةُ بَناء تُشْبِه حركةَ الإعراب مشابهةً تامّةً إلا الفتحةُ في قولك: "لا رجلَ في الدار والضمّةُ في المنادى نحوِ قولك: "يا زيدُ".

ويجوز في نصب الصفة وجهٌ آخرُ، وهو أن يكون محمولًا على محلّ المنفيّ, لأنّ محلّه نصبٌ بالنافي الذي هو "لا"، لمضارَعتها "إنَّ" على ما تقدّم. وإنّما بُني للتركيب مع "لا" فالفتحةُ فيه فتحةُ بناء نائبةٌ عن فتحةِ إعراب. ويجوز في الصفة أيضًا الرفعُ حملًا على موضع النافي والمنفيّ, لأنّ "لَا" وما عملتْ فيه بمعنى اسم واحدٍ مرفوعٍ بالابتداء، يدلّ على ذَلك أنّا إذا قلنا: "لا فيها رجلٌ"، ففصلنا بين "لا" واسمِها بَظرف، أو جارٍّ ومجرور، بطل عملُها، وارتفع اسمُها بالابتداء مع صحّةِ الجَحْد بها، وبَقاءِ معنى المنصوب. ومنه قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} (١). فلذلك جاز في النعت فيما بعد "لا" والعطفِ عليه الرفعُ على موضعِ "لاَ" مع الاسم، والنصبُ على الاسم الذي بعد "لاَ" وقد شبّهه سيبويه (٢) بقوله [من الوافر]:

٣٣٠ - [معاويَ إنَّنا بَشَرٌ فأسْجِحْ] ... فلَسْنَا بالجِبال ولا الحَدِيدَا


(١) الصافات: ٤٧.
(٢) الكتاب ٢/ ٢٩٢.
٣٣٠ - التخريج: البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي في خزانة الأدب ٢/ ٢٦٠؛ وسرّ صناعة الإعراب =

<<  <  ج: ص:  >  >>