فقط"، فيفصل بقوله: "فقط" بين هذه الأسماء، والحروف، إذ هذه الأسماءُ قد دلّت دلالتَيْن: دلالةَ الأسماء، ودلالة الحروف.
ومنهم من يضيف إلى هذا الحدّ، "ولم يكن أحدَ جزءَي الجملة"، كأنه يفصل بذلك بين هذه الأسماء والحروف، فإن هذه الأسماء، وإن دلت على معنى في غيرها من الجهة المذكورة، فقد تكون أحد جزءي الجملة، ألا ترى أن "أيْنَ" و"كَيْفَ" يكون كل واحد منهما جزءًا لجملةٍ من نحوِ "أيْنَ زيدْ؟ " و"كَيْفَ عمروٌ؟ " فـ "زيدٌ" مبتدأ، و"أيْنَ" الخبر، وكذلك "عمروٌ؟ " مبتدأ و"كيف" الخبر. وتقول: "مَن عندك؟ " فيكون "مَنْ" مبتدأ، و"عندك" الخبر، فهذه الأشياء قد تكون أحد جزءي الجملة، أي: مبتدأ، أو خبرَ مبتدأ، وليس كذلك الحروف، فإنه لا يُخْبَر بها، ولا عنها، تقول: "إلى قائمٌ" على أن يكون "إلى" مبتدأ، و"قائمٌ" الخبر، كما تقول: "زيدٌ قائمٌ"؛ ولا: "عَن ذاهبٌ". كما تقول: "زيدٌ ذاهبٌ" ... وقد صرّح ابن السرّاج بهذا المعنى في تحديد الحرف، فقال: هو الذي لا يجوز أن يُخْبَر عنه، ولا يكون خبرًا.
قال أبو علي الفارسيّ: مَن زعم أن الحرف ما دل على معنى في غيره، فإنّه ينبغي أن تكون أسماءُ الأحداث كلّها حروفًا؛ لأنها تدلّ على معان في غيرها، فإن قال: فإن القيام يُتوهّم منفردًا من القائم، قيل له: فإن الإلصاق والتعريف الذي يدل عليهما باءُ الجرّ ولامُ المعرفة قد يُتوهّمان منفردَيْن عن الاسمَيْن. ولو كان هذا كما قال، لوجب أن يكون "هُوَ" الذي للفصل حرفًا، لأنه يدل على معنى في غيره. ألا ترى أنّها تجيء لتدلّ على أن الخبر معرفة، أو قريبٌ من المعرفة، أو لتُؤذِن أن الاسم الذي بعدها ليس بوصفٍ لِما قبلها؟ ويلزم أن تكون أسماءُ التأكيد حروفًا؛ لأنها تدلّ على تشديد المؤكَّد وتبيينه، ألا ترى أنّ منها ما لا يتقدّم على ما قبله مثلَ "أكْتَعِينَ"، "أبْصَعِينَ"؟ وينبغي أن تكون الصفات كذلك أيضًا؛ لأنها تدلّ على معان في غيرها. وينبغي أن تكون "كَمْ" في الخبر في نحوِ: "كم رجل" حرفًا, لأنها تدلّ على تكثير في غيرها، وهو تكثير الرجال. وينبغي أن تكون "مِثل" حرفًا؛ لأنها تدلّ على تشبيه في غيرها. وينبغي أن لا تكون "ما" حرفًا في قولهم: "إنّك ما وَخَيْرًا"؛ لأنها لا تدلّ على معنى في غيرها، وكذلك "ما حاجبَيْهِ"؛ وأن لا تكون "ما" في قوله: "إمّا لا" حرفًا؛ لأنها لا تدلّ على معنى في غيرها، وإنّما تدلّ على الفعل المحذوف. وكذلك "أمّا أنت منطلقٌ انطلقتُ". وكذلك قولُ من قال: إِنّه الذي لا يجوز أن يكون خبرًا، ولا مُخْبَرًا عنه فاسدٌ، لأن الأسماء المضمرة المجرورة، والأسماء المضمرة المنصوبة المتّصلة والمنفصلة لا تكون أخبارًا، ولا مخبرًا عنها، وكذلك الفَصْل نحوُ "هُوَ" لا يكون خبرًا، ولا مخبرًا عنه، انتهى كلامُ أبي عليّ.
قال الشارح: كأنّ أبا على أورد هذه التشكيكاتِ للبَحْث، وإذا أنعم النظر، كانت غير لازمة. أمّا أسماء الأحداث، فكلها أسماءٌ يُخْبَر عنها كما يخبر عن الأعيان، نحوَ