للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولك: "العلمُ حسنٌ"، و"الجهلُ قبيح"؛ لأن العلم والجهل ونحوهما سِمَاتٌ على مُسَمّياتِ معقولةٍ متوهَّمةٍ منفصلةٍ عن مَحالّها، وإن كانت لا تنفصل بالوجود من حيث كانت أعراضًا، والعرضُ لا يقوم بنفسه.

وأمّا قوله: إن الباء تدلّ على الإلصاق، واللام تدلّ على التعريف، والإلصاقُ والتعريفُ يُتوهّمان منفردَيْن، فالقولُ في ذلك: إن الإلصاق والتعريف اسمان يُتوهّمان منفردَيْن، لا فرقَ بينهما وبين غيرهما من الأحداث. ولا كلامَ فيهما، إنما الكلام في الباء نفسها، فإنها لا تدلّ على الإلصاق حتى تضاف إلى الاسم الذي بعدها، لا أنّه يتحصّل منها مفردة، وكذلك القولُ في لام التعريف ونحوها من حروف المعاني.

وأمّا الأسماء المضمرة التي تكون فصلًا، من نحوِ "كنتُ أنا القائمَ"، و"كنّا نحن القائمين"، وقوله تعالى: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} (١)، فهي أسماءٌ قد سُلبت دلالتَها على الاسميّة، وسُلك بها مذهبَ الحروف بأن أُلغيتْ. ومعنَى إلغاء الكلمة أن تأتي لا موضعَ لها من الإعراب، وأنها متى أُسْقطت من الكلام، لم يختل الكلامُ، ولم يتغيّر معناه، وتصير كالحروف الملغاة من نحو "ما" في قوله تعالى: {مَثَلًا مَا بَعُوضَةً} (٢)، والمراد: مثلًا بعوضةً، وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (٣). فلولا إلغاءُ "ما"، لم يَتخط الخافضُ، وعمِل فيها بعدها، فتجري هذه الأسماء مجرى الحروف. وكونها قد صارت في مذهبها، لم يخبر عنها كما لم يخبر عن سائر الحروف، فاعرفه.

وأمّا أسماء التأكيد، فإنها أسماء دالّة على معانٍ في أنفسها. ألا ترى أنك إذا قلت: "جاءني زيدٌ نفسُه، فالنفسُ دلّت على ما دل عليه زيدٌ، فصار ذلك كتكرار اللفظ، نحوِ قولك: "زيدٌ زيدٌ". فزيدٌ الثاني لم يدل على أكثر ممّا دل عليه الأول، والتأكيدُ والتشديدُ معنى حصل من مجموع الاسمَيْن، لا من أحدهما.

وأمّا الصفات من نحوِ "جاء زيد العاقلُ"، فإن الصفة التي هي العاقل لم تدلّ على معنى في الموصوف، وإنما دلت على معنى في نفسها، نحوِ: "العاقل"، فإنه دل على ذاتٍ باعتبار العقل. فإذا جمعتَ بين الصفة والموصوف، نحوَ قولك: "زيدٌ العاقلُ"، حصل البيان والتعريف من مجموع الصفة والموصوف، لا من أحدهما، فبان لك أن الصفة لم تدلّ على معنى في غيرها، وإنما دلت على معنى تحتها. وأمّا "مِثْلٌ" فأمرُها كأمر الصفة، لأنها بمعنى "مُشابِهٍ" و"مُماثِلٍ"، وذلك معنى معقول في نفس الاسم. وأمّا كونها تقتضي مماثلًا, فليس ذلك بذاتيّ لها، ولا من مُقوِّماتها، وإنما ذلك من لوازمها.

وأمّا "كَمْ" في الخبر، فهي اسمٌ بمعنى العدد والكثيرِ، وأمّا كونها تدلّ على كثرة


(١) المائدة: ١١٧.
(٢) البقرة: ٢٦.
(٣) آل عمران: ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>