للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجال مثلًا إذا قلت: "كم رجلٍ"، فإنّ الكثرة لم تُفِدْها "كَمْ" في الرجال، وإنما "كم" لعددٍ مبهمٍ يقع على القليل منه والكثير. فإذا أُضيفت إلى ما بعدها، بَيَّنَ أن المراد الكثير، فجرى مجرى الألفاظ المُجْمِلة المترّدّدة بين أشياءَ، وبَيَّنها غيرُها من قرينة حالٍ أو لفظٍ. ولا يُخْرِجها ذلك عن أن تكون دالة على ذلك الشيء.

وأمّا الحروف الزائدة، فإنها وإن لم تُفِدْ معنى زائدًا، فإنها تفيد فضلَ تأكيدٍ وبيانٍ، بسبب تكثير اللفظ بها. وقوّةُ اللفظ مؤذنة بقوة المعنى، وهذا معنًى لا يتحصّل إلَّا مع كلام.

وأمّا إفسادهم قولَ من عرّف الحرف بأنه الذي لا يجوز أن يكون خبرًا، ولا مخبرًا عنه بالأسماء المضمرة المجرورة، والأسماء المضمرة المنصوبة المتّصلة والمنفصلة، فالقولُ أن امتناع الإخبار عن هذه الأسماء وبها، لم يكن لأمرٍ راجعٍ إلى معنى الاسم، وإنما ذلك لأنها صِيغ موضوعةٌ بإزاءِ اسم مخفوض أو منصوب. فلو أُخبر عنها، وجب أن ينفصل الضمير المجرور، ويصير عِوَضَه ضميرٌ مرفوعُ الموضع، نحوُ: "أنْتَ"، وشِبْهِه. وكذلك الضمير المنصوب لو أُخبر به أو عنه، لتَغيّر إعرابُه، ووجب تغييرُ صيغة الإعراب. فامتناعُ الإخبار عن هذه الأشياء لم يكن إلَّا من جهة الإعراب.

قال الزمخشري: لو كان الحرف يدلّ على معنى في نفسه، لم يُفْصَل بين "ضَرَبَ زيدٌ"، و"ما ضرب زيدٌ"؛ لأنه كان يبقى معنى النفي في نفسه.

وقوله: "ومن ثمّ لا ينفك من اسم أو فعل يصحبه"، يريد: ولكونه لا يدل على معنى إلَّا في غيره، افتقر إلى ما يكون معه ليفيده معناه فيه.

وجملةُ الأمر أنه دخل الكلامَ على ثلاثة أضرب لإفادةِ معنى فيما يدخل عليه، ولتعليقِ لفظ بلفظ آخر ورَبْطِه به، ولزيادةِ ضرب من التأكيد.

فالأولُ ثلاثةُ مواضع: أحدها: أن يدخل على الاسم، نحوِ: "الرجل"، و"الغلام"، فالألفُ واللام أفادت معنى التعريف فيهما؛ لأنهما كانا نكرتين. الثاني: أنه يدخل الفعلَ، نحوَ: "قَدْ"، و"السين"، و"سَوْفَ"، نحوَ قولك: "قد قام"، و"سيقوم"، و"سوف يقوم". فهذه الحروف أحدثت بدخولها على الفعل معنى لم يكن قبلُ، فَقَدْ قرّبته من الحاضر، والسينُ وسوف مختصّة بالاستقبال، وخلّصتْه له بعد أن كان شائعًا في الحال والاستقبال. فهذه الحروفُ في الأفعال نظيرةُ الألف واللام في الأسماء. الثالث: أن يدخل على الكلام التامّ والجملةِ المفيدة، نحوَ قولك: "أزيدٌ عندك؟ " و"ما قام خالدٌ". فلمّا دخلت الهمزةُ، أحدثت فيه معنى الاستفهام، وقد كان خبرًا، وكذلك "ما" أحدثت معنى النفي، وقد كان موجَبًا.

وأمّا الضرب الثاني من القسمة الأُولى: فهو في أربعة مواضع: أحدُها: أن يدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>