للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أن فعل الأمر على ضربَيْن: مبني ومعرب، فإذا كان للحاضر مجرّدًا من الزيادة في أوّله، كان مبنيًا عندنا، خِلافًا للكوفيين. وإنما قلنا ذلك؛ لأنّ أصل الأفعال كلها أن تكون مبنية موقوفةَ الآخِر، وإنما أُعْرب الفعل المضارع منها بما في أوّله من الزوائد الأربع وكينونتِه على صيغة ضارَعَ بها الأسماءَ، فإذا أمرنا منه، ونزعنا حرف المضارعة من أوّله، فقلنا: "اضْرِبْ"، "اذْهَبْ"، فتتغيّر الصورة والبنية التي ضارع بها الاسمَ، فعاد إلى أصله من البناء استصحابًا للحال الأولى.

وذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بـ"لام" محذوفة، وهي لام الأمر، فإذا قلت: "اذهب"، فاصله "لِتذهبْ"، وإنما حذفت اللام تخفيفًا، وما حُذف للتخفيف فهو في حكم الملفوظ به، فكان معربًا مجزومًا بذلك الحرف المقدّر. ويؤيّد عندك أنه مجزوم أنك إذا أمرت من الأفعال المعتلّة نحوِ "يَرْمِي"، و"يَغزُو"، و"يَخْشَى"، حذفت لاماتها، كما تفعل في المجزوم من نحو "لِيَغْزُ"، و"لِيَرْمِ"، و"ليَخْشَ". والبناءُ لا يوجب حذفُاً.

والجواب عن كلام الكوفيين: أمّا قولهم: "إنه معرب"، فقد تقدّم القول: إِن أصل الأفعال البناءُ، وسببُ إعراب المضارع ما في أوّله مَن الزوائد، وقد فُقدت هنا. وقولهم: إِنه مجزوم بلام محذوفة فاسدٌ, لأنّ عوامل الأفعال ضعيفة، فلا يجوز حذفُها وإعمالها، كما لم يجز ذلك في "لَمْ" و"لَنْ" ونظائرهما، وذلك لأنّ عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء، لأنّ الأفعال محمولة على الأسماء في الإعراب، فكانت الأسماء أمكن، وعواملُ الأصل أقوى من عوامل الفرع. وعواملُ الأسماء على ضربين: أفعالٌ وحروفٌ، فما كان من الأفعال، فقد يجوز حذفه وتبقية عمله، نحوُ: "لولا زيد"، و"هَلَا عمرٌو"، ويجوز: "زيدًا ضربتَه" وأشباهُ ذلك. وما كان من الحروف، نحوِ: "إن" وأخواتها وحروف الجرّ، فإنه لا يجوز حذفُ شيء من ذلك وتبقيةُ عمله، فكان ذلك في الفرع الذي هو أضعف أولى بالامتناع، مع أنا نقول لو كان فعل الأمر مجزومًا بـ "لام" محذوفة، لبقي حرف المضارعة كما بقي في قوله [من الوافر]:

محمدُ تَفْدِ نَفْسَك كل نفسٍ (١)

وكما قال [من الطويل]:

أو يَبْكِ مَن بَكي (٢)

لفظ حذف حرف المضارعة، وتغيرت بنيةُ الفعل؛ دلّ على ما قلناه. وأما حذف حرف العلة من نحوِ "ارْمِ"، و"اغْزُ"، و"اخْشَ"، فلأنه لمّا استوى لفظ المجزوم والمبني في الصحيح، نحوِ: "لم تذهبْ" و"اذْهَبْ"، أرادوا أن يكون مثل ذلك في المعتل، فحذفوا آخِرَه في البناء؛ ليوافق آخره آخرَ المجزوم، فاعرفه.


(١) تقدم بالرقم ٩٧٦.
(٢) تقدم بالرقم ٩٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>