للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمفعولين، وقد يكونان لغيرهما على سبيل الشبَه بهما، ويكون لهما أدوات مَجازية، ولا يصير المرفوع بها فاعلًا حقيقةً، ولا المنصوب مفعولاً حقيقة، وذلك في نحوِ: "كان زيد قائمًا"، ألا ترى أن "زيدًا" ها هنا ليس بفاعل وقع منه فعلٌ، ولا "قائمًا" مفعول وقع به فعل، وإنما ذلك على سبيل التشبيه اللفظي؟ وكذلك "إنّ زيدًا قائم" مشبَّهان بالفاعل والمفعول، وكذلك المبتدأ والخبر يُرفعان على التشبيه بالفاعل، وعاملُهما معنى غير لفظ، وليس كذلك الجرّ، فإنه لا يكون إلَّا بحروف الجرّ أو بالإضافة.

فلمّا كان الرفع والنصب قد تُوسّع فيهما في الأسماء، وجاءا على غير منهاج الفاعل والمفعول على سبيل التشبية؛ جاز أن يكونا في الأفعال المشابِهة للأسماء، وجُعل لهما أدوات غير أدوات الأسماء، ولم يكن الجرّ كذلك, لأن أدواته في الأسماء على منهاج واحد لا تختلف، فلمّا لم يتسعوا فيه اتساعَهم في الرفع والنصب، امتنع دخوله في الأفعال، ولم يُجعل له أدوات غير تلك الأدوات، فجُعل الجزم فيها مكانه، وساغٍ دخوله عليها إذ كان حذفًا وتخفيفًا، إذ الأفعال ثقيلة، فلذلك صار إعراب الأفعال ثلاثة: رفعًا ونصبًا وجزمًا.

وقوله: "وليست هذه الوجوه بأعلام على معان كوجوه إعراب الاسم" يعني أن الإعراب في الاسم إنما كان للفصل بين المعاني، فكلُّ واحد من أنواعه أمارةٌ على معنى، فالرفعُ علم الفاعليّة، والنصب علم المفعوليّة، والجرّ علم الإضافة، وليس في الأفعال كذلك، وإنما دخل فيها لضرب من الاستحسان ومضارَعةِ الاسم، ولم يدلّ الرفع فيها على معنى الفاعلية، ولا النصب على معنى المفعولية، كما كان في الأسماء كذلك.

وقوله: "بل هو فيه من الاسم بمنزلة الألف والنون من الألفَيْن في منع الصرف" يعني أن منزلة دخول الإعراب في الأفعال المضارِعة بمنزلة الألف والنون في "سكرانَ"، و"عطشانَ"؛ لأن الألف والنون إنما منعتا الصرف لشبههما بألفي التأنيث في نحو: "بَيْضاءَ"، و"حمراء"، وإن كان منعُ الصرف في ألفي التأنيث إنما هو للتأنيث ولزومه، وليس منع الصرف في نحو "سكران"، و"عطشان" كذلك، بل بالحمل على ألفي التأنيث، كما كان دخول الإعراب في الأسماء لحاجة الأسماء إليه في الفصل بين المعاني، وفي الأفعال على غير هذا المنهاج.

وقوله: "وما ارتفع به الفعل وانتصب وانجزم غيرُ ما استوجب به الإعرابَ"، يريد أن الرفع فيه بعامل، وهو وقوعه مع الاسم، والنصب بالنواصب، والجزم بالجوازم؛ فأمّا الإعراب فيه، وهو استحقاقه لدخول هذه الأنواع عليه، فبالمضارعة، فاعرفِ الفرق بين موجِب الرفع وغيره من أنواع الإعراب، وبين موجب الإعراب نفسه، ولا تغلطْ، وسيوضح أمر العوامل بعدُ، إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>