للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمكن من نحوِ: "مَنْ"، و"كَمْ". وليس تحريكُها لالتقاء الساكنين كما يظن بعضُهم، ألا ترى أن من جملة الغايات "أوَّلُ"، و"مِن عَلُ" وآخِرُهما متحرك، ولم يلتق فيه ساكنان؟ وأمّا الضم فيها خاصةً؛ فلأن الضمّة حركةٌ لم تكن لها في حال إعرابها وتمكُنها، ألا ترى أنها في حال إعرابها تكون منصوبة ومجرورة، نحوَ قولك: "جئتُ قَبْلَك، وبَعْدَك"، و"جئت من قَبْلِك ومن بَعْدِك"؟ فلما بُنيت، ووجب لها الحركةُ؛ ضموها لئلا يُتوهم أنّها معرفة إذ الضمة غريبة منها. وقيل: حُركت بأقوى الحركات، وهي الضمة، لتكون كالعِوَض من حذفِ ما أُضيف إليه. وقيل: بُنيت على الضم لشَبَهها بالمنادى المفرد من نحوِ "يا زيدُ"، ووجهُ الشبَه بينهما أن المنادى المفرد متى نُكر، أو أُضيف، أعرب، نحوَ قوله [من الطويل]:

٦٢٠ - أدارًا بحُزْوَى هِجْتِ للعَيْن عَبْرَةً ... [فَمَاء الهَوَى يَرْفَضُ أَو يَتَرقْرَقُ]

وقوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} (١). وإذا أُفرد معرفة، بُني، وقد كان له حالةُ تمكُن، وكذلك "قَبْلُ"، و"بَعْدُ" إذا نُكر وأُضيف، أُعرب، وإذا أُفرد معرفة، بُني، فلذلك قالوا: "جئتُ قَبْلُ، وبَعْدُ ومِن قَبْلُ، ومن بعدُ". قال الله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} (٢)، والمرادُ: من قَبْلِ كلّ شيء، ومن بعدِ كل شيء، وكذلك بقيةُ الظروف. قال الشاعر [من الطويل]:

٦٢١ - [إذا أنا لم أُومَنْ عليكَ] ولم يَكُنْ ... لِقاؤك إلَّا من وَراءُ وَرَاءُ


٦٢٠ - التخريج: البيت لذي الرمّة في ديوانه ص ٤٥٦؛ وخزانة الأدب ٢/ ١٩٠؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٨٨؛ والكتاب ٢/ ١٩٩؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٢٣٦، ٥٧٩؛ وبلا نسبة في الأغاني ١٠/ ١١٩؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٤٥؛ والمقتضب ٤/ ٢٠٣.
اللغة: حزوى: اسم موضع. هجت: حركت. العبرة: الدمعة. يرفض: يسيل متناثرًا. يترقرق: يظهر في العين دون أن ينحدر.
الإعراب: "أدارا": الهمزة: للنداء، "دارًا": منادى منصوب لأنّه شبيه بالمضاف. "بحزوى": جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "دارا". "هجت": فعل ماض، والتاء: ضمير في محل رفع فاعل. "للعين": جار ومجرور متعلقان بـ "هجت". "عبرة": مفعول به منصوب. "فماء": الفاء: استئنافية، "ماء": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. "الهوى": مضاف إليه مجرور. "يرفضّ": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "أو": حرف عطف. "يترقرق": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو".
جملة "أدارًا": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هجت": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ماء الهوى .. ": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يرفض": في محل رفع خبر المبتدأ. وجملة "يترقرق": معطوفة على جملة "يرفض".
والشاهد فيه قوله: "أدارًا" حيث نصب المنادى النكرة المقصود بالنداء، والقياس فيه البناء على الضم، ومسوغ نصبه أنه منكور في اللفظ لاتصافه بالمجرور، ووقوعه موقع صفته، فكأنه قال: أدارًا مستقرة بحزوى، فجرى لفظه على التنكير، وإن كان مقصودا بالنداء.
(١) يس: ٣٠.
(٢) الروم: ٤.
٦٢١ - التخريج: البيت لعتي بن مالك في لسان العرب ١٥/ ٣٩٠ (ورى)؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب =

<<  <  ج: ص:  >  >>