للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الاستفهام فهو في موضع الأفعال, لأنّك إنّما تسأل عمّا تشُك فيه، وأنت إذا قلت: "أزيدٌ قائمٌ"؟ وإنّما تشك في قيام زيد، لا في ذاته؛ لأن ذاته معلومات معروفة، وكذلك النفي إنّما يكون للأفعال، فاسمُ الفاعل لضعفه في العمل لا يعمل أو يعتمدَ، والفعل لقوّته لا يفتقر إلى ذلك. وقد أجاز أبو الحسن أن يعمل من غير اعتماد، فتقول على مذهبه: "قائمٌ زيد"، فيكون "قائم" مبتدأ، و"زيد" مرفوع بفعله، وقد سدّ مسدَّ الخبر لحصول الفائدة به، وتمام الكلام، وذلك لقوّة شَبَه اسم الفاعل بالفعل وأنشد (١):

..............................

ولا ضميرَ في اسم الفاعل عنده؛ لأنّه قد رفع ظاهرًا، فلا يكون له فاعلان. وسيبويه يجيز المسألة على أن يكون "زيد" مبتدأ، و"قائم" خبرًا مقدّمًا، وعلى هذا يكون فيه ضمير من "زيد" كما لو كان مؤخرًا.

وإلى هذا أشار صاحب الكتاب بقوله: "فإن قلت: "بارعٌ أدَبُه" وزعمت أنك رفعتَ به الظاهرَ، كُذّبتَ بامتناعِ "قائم أخواك يعني أن قولهم: "قائمٌ زيدٌ" جائز عند سيبويه على تقديم الخبر لا على رفعه الظاهرَ، ومن ظنّ ذلك بطل عليه بامتناع سيبويه من جوازِ "قائمٌ أخواك", لأنّه لا يرفع "الأخوين" بـ "قائم", لأنّه لا يعمله من غير اعتماد، ولا يكون خبرًا مقدّمًا؛ لأنّه مفرد، والمفرد لا يكون خبرًا على المثنّى.

واعلم أن اسم الفاعل ينقص عن الفعل بثلاثة أشياءَ:

أحدها: ما تقدَّم من قولنا: إِن اسم الفاعل لا يعمل، أو يعتمدَ على كلام قبله، والفعل يعمل معتمدًا، وغيرَ معتمد، لقوّته.

الثاني: أن اسم الفاعل إذا جرى على غيرِ مَن هو له، برز ضميرُه، نحوَ قولك: "زيدٌ هندٌ ضاربُها هو"، فـ "زيد" مبتدأ، و"هند" مبتدأ ثان، و"ضاربُها" خبرُ "هند"، والفعلُ لِـ "زيد"، فقد جرى على غير من هو له، فلذلك برز ضميره، وخلا اسم الفاعل من الضمير، ويظهر أثرُ ذلك في التثنية والجمع، فتقول: "الزيدان الهندان ضاربُهما هما"، و"الزيدون الهنداتُ ضاربُهنّ هم ولا تقول: "ضارِباهما" ولا "ضارِبوهنّ"؛ لخُلُوّه من الضمير, لأنّه جارٍ مجرى الفعل، والفعل إذا تقدّم، وُحّد، ولو كان فعلاً، لم يبرز الضمير، وكنت تقول: "زيدٌ هندٌ يضربها"، فيكون في "يضربها" ضمير مستكنّ مرفوع، و"ها" المفعول, لأن الأفعال أصلٌ في اتصال الضمير بها.

الثالث: أن اسم الفاعل لا يعمل، إلَّا إذا كان للحال أو الاستقبال، ولا يعمل إذا كان ماضيًا، والفعلُ لقوّته يعمل في الأحوال الثلاث.


(١) لم يُذكر ما أنُشِد في الطبعتين، ولعلّ سقطًا أو خرمًا وقع في المخطوطة التي أُخذِت عنها الطبعتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>