للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبو عمرو عن العرب في رواية سيبويه (١) عنهما. ولا يجوز مثلُ ذلك في "رُبَّ". لا تقوله: "ربّ رجلٍ أفضلُ منك" على أن تجعل "أفضل" خبرًا لـ "رُبَّ"، كما يكون خبرًا لـ "كَمْ". ألا تراك تقول "كم غلام لك ذاهبٌ"، و"كم منهم شاهدٌ" فـ "ذاهبٌ"، و"شاهدٌ" خبوان لـ "كَمْ ". ولو نصبت "ذاهبًا"، و"شاهدًا"، فقلت: "كم غلام لك ذاهبًا"؛ لم يتمّ الكلام، وكنت تفتقر إلي خبر. ولا يجوز في "ربَّ" ذلك، لا تقول: "ربّ غلام لك ذاهبٌ "، و"لا ربّ رجل قائمٌ ".

و"رُبَّ" حرفٌ، والذي يدلّ على ذلك أنّ "رُبَّ" معناه في غيره، كما أن معنى "مِنْ" في غيرها. فكما أنك إذا قلت: "خرجت من بغداد"؛ فقد دلّتْ "مِنْ" على أن "بغداد" ابتداء غاية الخروج، فكذلك إذا قلت: "ربّ رجلٍ يقول"؛ دلّت "رُبَّ" على معنى التقليل في "الرجل" الذي يقول ذلك. وليست "كَمْ" كذلك، لأنها قد دلّت على معنى في نفسها، وهو العدد.

ومنها أنّ "كَمْ" يُخبَر عنها، تقول: "كم رجلٍ أفضل منك"، فيكون "أفضل" خبرًا عن "كم"، كما يكون خبرًا عن "زيد"، إذا قلت: "زيدٌ أفضلك منك".

ومنها أنْ "كَمْ" يدخل عليها حرفُ الجرّ، فتقول: "بكم رجل مررتَ"، ولا يجوز مثل ذلك في "ربَّ". ويلي "كم" الفعلَ، ولا يليه "ربَّ"، فتقول: "كم بلغ عَطاؤُك أخاك"، و"كم جاءَك رجلٌ"، ولا يجوز مثل ذلك في "ربّ".

ومن الدليل على كون "ربّ" حرفًا أنّها تُوصِل معنى الفعل إلي ما بعدها إيصالَ غيرها من حروف الجرّ، فتقول: "ربّ رجل عالم أدركتُ"، فـ "رُبَّ" أوصلت معنى الإدراك إلى "الرجل"، كما أوصلت الباء الزائدة معنى المرور إلى "زيد" في قولك: "مررت بزيد" قال سيبويه (٢): إذا قلت: "ربّ رجلٍ يقول ذاك"؛ فقد أضفت القول إلي "الرجل" بـ "رُبَّ". وإذا قال: "ربّ رجلٍ ظريفٍ"؛ فقد أضاف الظَّرْفَ إلى "الرجل" بـ "ربّ". وهذا فيه نَظَرٌ؛ لأن اتّصال الصفة بالموصوف يُغنِي عن الإضافة. وحروفُ الجرّ إنَّما توصل معاني الأفعال إلى معمولها لا معنى الصفة إلى الموصوف.

وقد ذهب الكسائي ومَن تابَعَه من الكوفيين (٣) إلي أن "ربّ" اسمٌ مثلُ "كَمْ"، واعتلّوا بما حكوه عن بعض العرب أنهم يقولون: "ربّ رجلٍ ظريفٌ" برفع "ظريف" على أنه خبرٌ عن "رُبَّ". وقالوا: إِنها لا تكون إلَّا صدرًا، وحروفُ الجرّ إنما تقع متوسّطةّ؛


(١) الكتاب ٢/ ١٦١.
(٢) الكتاب ١/ ٤٢١.
(٣) انظر المسألة الحادية والعشرين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" ص ٨٣٢ - ٨٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>