للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الغلام لعمرو"؛ لأنهما ممّا يُمْلَك. وتقول: "السرجُ للدابّة"، و"الأخُ لعمرو" فالمراد بذلك الاستحقاق بطريق الملابسة. والمعنى بالاستحقاق: اختصاصه بذلك. ألا ترى أن "السرج" مختصّ بالدابّة، وكذلك "الأخ" مختصّ بعمرو، إذ لا يصحّ مِلْكُه. وقيل: أصل ذلك الاختصاصُ واستعمالُها في الملك لِما فيه من الاختصاص، لأن كلّ مالكٍ مختصٌّ بالمال. وقال بعضهم: معنى اللام المِلْكُ خاصةً في الأسماء، وما ضارَعَ الملكَ في الأسماء، وغير الأسماء.

واللامُ أصل حروف الإضافة، لأن أخلص الإضافات وأصحّها إضافة الملك إلى المالك، وسائرُ الإضافات تُضارع إضافةَ الملك، فالملكُ نحوُ: "المالُ لزيد"، وما ضارع الملك مثلُ قولك: "اللجامُ للدابّة"، و"الرأيُ لزيد" و"البياض للثَّلْج"، وقولُك في الفعل: "أكْرَمْتُك لزيد"، فالمعنى أنَّكَ ملّكتَه الإكرامَ، واعتقدتَ أنه ملك ذلك منك.

فأمّا اللام الداخلة على الأفعال الناصبةُ لها نحوُ: "جئتُ لأكرِمَك"، وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} (١) و {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (٢)، فإنها حرف الجرّ، وليست من خصائص الأفعال كلام الأمر وغيرِها ممّا هو مختصّ بالأفعال. وحقيقةُ نصب الفعل بعدها إنَّما هو بـ "أنْ" مضمرةً، والتقديرُ: جئتُك لأنْ أُكْرمك. و"أنْ" والفعل مصدرٌ، وذلك المصدر في موضعِ خفض باللام، والجازُ والمجرور في موضع نصب بالفعل. ومعناها الاختصاص، والمراد أن مجيئه مختصّ بالإكرام، إذ كان سببه.

واعلم أن أصل هذه اللام أن تكون مفتوحة مع المُظْهَر؛ لأنها حرف يُضطرّ المتكلّم إلى تحريكه، إذ لا يمكن الابتداء به ساكنًا، فحُرّك بالفتح؛ لأنه أخفّ الحركات، وبه يحصل الغرضُ، ولم يكن بنا حاجةٌ إلى تكلُّف ما هو أثقلُ منه. وإنما كُسرت مع الظاهر؛ للفرق بينها وبين لام الابتداء، ألا تراك تقول: "إنّ هذا لَزيدٌ" إذا أردت أنه هو، و"إنّ هذا لِزيدٍ" إذا أردت أنه يملكه؟

فإن قيل: الإعراب يفصل بينهما، إذ بخفضِ ما بعد لام الملك يُعْلَم أنه مملوكٌ، وبرفعِ ما بعد لام التأكيد يعلم أنّه هو؛ قيل: الإعراب لا اعتدادَ بفصله، فإنّه قد يزول في الوقف، فيبقى الإلباسُ إلى حين الوصل، فأرادوا الفصل بينهما في جميع الأحوال، مع أنّ في الأسماء ما هو غير معرب، وفيها ما هو معرب، غيرَ أنّه يتعذّر ظهورُ الإعراب في لامه لاعتلاله، وذلك قولك: "إن زيدًا لِهَذا". فـ "هَذا" مبنيٌّ لا إعرابَ فيه، فلولا كسرُ اللام وفتحُها؛ لَما عُرف الغرض، فلَالْتبس فيما لا يظهر فيه الإعراب. ولذلك تقول: "إنّ الغلام لَعِيسَى" إذا أردت أنه هو، و"إنّ الغلام لِعيسى" إذا أردت أنه يملكه. فهذه اللام مكسورة مع الظاهر أبدًا لِما ذكرناه من إرادة الفرق.


(١) الفتح: ١ - ٢.
(٢) الأنفال: ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>