للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال [من الرجز]:

شتان هذا والعناق والنوم ... والمشرب البارد في ظل الدوم (١)

وأما نحو قوله [من الطويل]:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم (٢)

فقد أباه الأصمعي ولم يستعبده بعض العلماء عن القياس.

* * *

قال الشارح: قد تقدم الكلام على "شَتّانَ" بما فيه مَقْنَعٌ، ونحن الآن نتكلّم على الأبيات. اعلم أنّ "شتّان" معناها تَبايَنَ، وافْتَرَقَ، وذلك لا يكون من واحد؛ لأنّ الفُرْقة إنما تحصل من اثنين فصاعدًا، والمرادُ المفارَقةُ في المعاني والأحوال، كالعِلْم والجَهْل والصحة والسَّقَم ونحوها؛ لأن الافتراق بالذوات حاصلٌ، إذ كل شيئين فأحدهما غير الآخر لا محالةَ، وإنما لمّا كان قد يحصل ثم اشتباه في بعض الأحوال والمعاني، وجب أن يكون الافتراق فيها أيضًا، فلذلك تقول: "شَتان زيدٌ وعمرو"، ولو قلت: "شتّان زيد"، وسكتَّ، لم يجز لما ذكرناه من أن الافتراق لا يكون من واحد. وأمّا البيت الثاني الذي أنشده، وهو:

شتان هذا والعِناقُ والنَّوْمْ ... إلخ

فالشاهد فيه رفع الاسمين بعد ارتفاعَ الفاعل. وهذه اللغةُ الفصيحة، ويُروى: "في ظل الدوم" على الإضافة، فمن روى: و"الظلَّ الدوم"، فعلى الصفة، والمعنى: الظل الدائمُ، ومن أضاف، أراد بالدوم شجر المُقْل لا الصفةَ، وأمّا البيت الأوّل، وهو:

شتان ما يَوْمِي ... إلخ

فالبيت للأعشى، والشاهدُ فيه: "ما يومي ويوم حيّان"، فـ "ما" زائدة، والمرادُ: شتّان يومي ويومُ حيّان، فهو كالأوّل، إلَّا أن فيه زيادةَ "ما". وَ"حَيانُ": رجلٌ من بني حَنِيفة، كان يُنادِم الأعشى، وله أخٌ يقال له: جابِر، كان مَلِكا يُحْسِن إليه، فهو يفرق بين ركوبه على كور الناقة تدور، وبين تلك الأيام، وهو قريبٌ من معنى البيت الأول، وأما البيت الثالث، وهو [من الطويل]:

لَشتّان ما بين اليزيدين ... إلخ

فهو لرَبِيعَةَ الرَّقيّ، وهو مُوَلد لا يُؤْخَذ بشعره. واليزيدان: يزيدُ بن حاتم المُهَلَّبيّ، وهو الممدوح، ويزيد بن أُسَيْد السُّلَمي. وكان المنصورُ قد عقد ليزيد بن أسيد على ديار مِصْرَ، وعقد ليزيد بن حاتم على إفْرِيقِيَة، فسارا معًا. وكان يزيد بن حاتم يَمُون


(١) تقدم بالرقم ٥٣٤.
(٢) تقدم بالرقم ٥٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>