للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمفردُ، نحو: "عَدْل"، و"صَوْم"، و"فِطْر"، و"زَوْر" بمعنى الزيرة، ولا يكون هنا جمعَ "زائر"، كصاحِب وصَحْبٍ، وشارب وشَرْبٍ؛ لأنّ الجمع لا يوصف به الواحدُ، وإذ كان مصدرًا، وُصف به الواحد والجمع.

وقالوا: "رجلٌ رِضَى"، إذا كثُر الرضى عنه. وقالوا: "ضربٌ هَبْرٌ"، وهو القَطعُ، يقال: "هبرتُ اللحْمَ" أي: قطعتُه، والهَبْرَةُ: القِطْعَةُ منه. وقالوا: "طَعْنْ نَتْرٌ"، وهو كالخَلْس، يقال: "طَعَنَه فأنْتَرَه"، أي: أَزْعَفه بمعنى قَتَلَه سريعًا. وقالوا: "رَمْىٌ سَعْرٌ"، أي: مُمِضٌّ مُحْرِقٌ، من قولهم: "سعرتُ النارَ والحَرْبَ": أي: ألهبتها. فهذه المصادرُ كلُّها ممّا وُصف بها للمبالغة، كأنّهم جعلوا الموصوف ذلك المعنى لكثرةِ حُصوله منه.

وقالوا: "رجلٌ عَدْلٌ، ورِضى، وفَضْلٌ"، كأنّه لكثرةِ عَدْله، والر ضى عنه، وفَضْلِه، جعلوه نفسَ العدل، والرضى، والفضلِ. ويجوز أن يكونوا وضعوا المصدَر موضع اسم الفاعل اتّساعًا، فعَدْلٌ بمعنى عادلٍ، وماءٌ غَوْرٌ بمعنى غائرٍ، ورجلٌ صَوْمٌ وفِطْرٌ بمعنى صائم ومُفطِرٍ، كما وضعوا اسم الفاعل موضعَ المصدر في قولهم: "قُمْ قائمًا"، أي: قيامًا، و"اقْعُدْ قاعدًا"، أي: قُعودًا.

وأمّا المصادر التي يُنعَت بها، وهي مضافةٌ، فقولهم: "مررت برجلٍ حَسْبِك من رجلٍ، وبرجلٍ شَرْعِك من رجل، وبرجلٍ هَدّك من رجل، وبرجلٍ كَفْيِك من رجلٍ، وبرجلٍ هَمِّك من رجل، ونَحْوِك من رجل". فهذه كلُّها على معنى واحد، فـ "حَسْبُكَ" مصدرٌ في موضع "مُحْسِبٍ"، يقال: "أَحْسَبَني الشيء"، أي: كفاني.

و"همّك"، و"شَرْعك"، و"هَدّك" في معنى ذلك. فقولهم: "همّك من رجلٍ" بمعنى: حَسْبك، وهو الهِمَّة واحدة الهِمَم، أي: هو ممن يُهِمُّك طَلَبُه. وكذلك "شَرْعُك" بمعنى "حسبك"، من "شرعتُ في الأمر" إذا خُضتَ فيه، أي: هو من الأمر الذي تشرَع فيه وتطلُبه، وفي المَثَل: "شَرْعُك ما بلَّغَك المَحَل" (١)، يضرب في التبلُّغ باليسير.

وأمّا "هَدُّك"، فهو من معنى القُوَّة، يقال: "فلانٌ يُهَدّ" على ما لم يُسمَّ فاعله، إذا نُسب إلى الجَلادة والكِفاية، فالهَدُّ بالفتح للرجل القويّ، وإذا أريد الذَمُّ والوصفُ بالضُعْف، كُسر، وقيل: هِدُّك.

وقال الأزهريّ (٢): وأمّا نَحْوُك، فهو من "نَحَوْت" أي: قصدتُ، أي: هو ممّن يُقصَد ويُطلَب. فهذه وما قبلها من المصادر المفردةِ جاريةٌ على ما قبلها جَرْيَ الصفة. والأصلُ أنها مصادرُ لا تُثنَّى، ولا تُجمع، ولا تُؤنَّث، وإن جرت على مُثنّى، أو مجموع،


(١) ورد المثل في زهر الأكم ٣/ ٢٣١؛ وفصل المقال ص ٢٥٠؛ ولسان العرب ٨/ ١٧٩ (شرع)؛ والمستقصى ٢/ ١٣٢؛ ومجمع الأمثال ١/ ٣٦٢. ومعناه: حَسبُك ما أوصلك إلى الغرض المطلوب.
(٢) انظر: تهذيب اللغة ٥/ ٢٥٢ (نحا).

<<  <  ج: ص:  >  >>