للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقامَه في جُودَةِ الحِداء للمَطِيّ. ونحوُه قولُ ذي الرُمّة [من الطويل]:

٣٢٦ - هي الدارُ إذْ مَيٌّ لأهْلِكَ جِيرةٌ ... لَيالِيَ لا أمْثالَهُنَّ لَيالِيَا

فلمّا قُدّر بِـ "مثْلٍ"، تَنكّرَ، لأنّ "مثلاً" نكرةٌ، وإن أُضيفت إلى معرفة. وقد يُطْلَق "مثلٌ" ويكون المرادُ به ما أُضيف إليه، كما يقول القائل لِمَن يخاطِبه: "مثلُك لا يتكلّم بهذا"، و"مثلُك لا يفعل القبيحَ"، وعليه قولُه تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (١) في قِراءة الجماعة غيرِ أهل الكوفة (٢)، بخفضِ "مثلٍ" والإضافةِ. ألا ترى أنّه إنّما يَلزمه جزاءُ المقتول، لا جزاءُ مثله.

وأما قوله: "ولا أُمَيَّةَ في البلاد"، فهو لعبد الله بن زَبِير بن فُضالةَ بن شريك الوالي من أسَدِ بن خُزَيْمَةَ، والزَّبيرُ بفتح الزاي، وكسر الباء. والشاهدُ فيه نصبُ "أُميّةَ" بـ "لَا"، وهو عَلَمٌ، على إرادةِ: ولا أمثالَ أُميّةَ كالذي قَبْلَه. يقول هذا لعبد الله بن الزُّبَيْر حين أتاه مستمنِحًا، فلمّا مَثَلَ بين يَدَيْه، قال له: "إنّه نفِدتْ نَفَقَتِي، ونقِبتْ راحِلتي"، فقال: "أحْضِرْها"، فأحضرها. فقال: "أقْبِلْ بها"، فأقبل. ثمّ قال: لا أدْبِرْ بها" فأدبر. فقال: "ارْقَعْها بسِبْبٍ، واخْصِفْها بهُلْبٍ، وأنْجِدْ بها يَبْرُدْ خُفُّها". السِّبْتُ: جُلودُ البَقَر تُدْبَغ بالقَرَظ، تُحْذَى منه النعال، والهُلْبُ: شَعْرُ الخِنزير الذي يُخْرَز به. فقال له ابنُ فضالة:


٣٢٦ - التخريج: البيت لذي الرمة في ديوانه ص ١٣٠٣؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٤٨١؛ وشرح شواهد المغني ١/ ١٤٠؛ والمقتضب ٤/ ٣٦٤.
اللغة: إذْ مّيٌّ على تقدير مضاف محذوف، والتقدير: إذ أهل مَيّ.
المعنى: هذه الدار كانت لمية زمن المرتبع وتجاور الأحياء، وفَضَّل تلك الليالي لما نال فيها من التنعُّم بالوصال واجتماع الشَّمْلِ.
الإعراب: "هي": مبتدأ محله الرفع. "الدارُ": خبر مرفوع بالضمة. "إذْ": اسم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية، متعلِّق بما في قوله: "هي الدار" من معنى التعظيم والإعجاب والتحبُّب. "ميٌّ": مبتدأ مرفوع بالضمة. "لأهلك": جار ومجرور متعلقان بـ "جيرة"، والكاف: مضاف إليه محله الجر. "جيرةٌ": خبر مرفوع. "ليالي": مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلّق بـ "جيرةٌ" لما فيها من معنى الاقتراب. "لا": نافية للجنس. "أمثالَهُنَّ": اسم "لا" منصوب بالفتحة، و"هُنَّ": مضاف إليه محله الجرّ. "لياليا": تمييز منصوب بالفتحة، والألف: للإطلاق.
وجملة "هي الدار": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ميٌّ جيرةٌ": مضاف إليها محلها الجر. وجملة "لا أمثالهن موجود": صفة لـ "لياليَ" الأولى محلها النصب.
والشاهد فيه: أنه جاء اسم "لا" النافية للجنس نكرة؛ لأن: "أمثال" نكرة وإن أضيفت إلى معرفة.
(١) المائدة: ٩٥. وقراءة الرفع هي قراءة الجمهور، وقرأ بالخفض نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وغيرهم.
(٢) انظر: تفسير الطبري ١١/ ١٣؛ وتفسير القرطبي ٦/ ٣٠٩؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٥٥؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>