للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من ذِكْرِ المستثنى منه إذا قلت: "ما قام إلّا زيدٌ"، وما عداها ممّا يُستثنى به، فموضوعٌ موضعَها، ومحمولٌ عليها لمشابهةٍ بينهما، فمن ذلك "غَيْرٌ" و"سوًى" و"حَاشَا".

فأمّا "غيرٌ" فمحمولةٌ على "إلَّا"، ومشبَّهةٌ بها, لأنّ "غيرًا" يلزَمها أنّ يكون ما بعدها على خلافِ ما قبلها في النفي والإثباتِ، ألا ترى أنّك إذا قلت: "مررتُ بغيرِ زيد"، فالذي وقع به المرُورُ ليس "زيدًا"، و"زيدٌ" لم يقع به المرورُ، ولو قيل: "ما مررت بغيرِ زيد"، لكان الذي نُفي عنه المرورُ ليس بـ "زيد"، ولم يُنفَ المرور عن زيد، فلمّا كان في "غَيْرٍ" من مخالفةِ الاسم الذي بعدها مثلُ مخالفةِ ما قبلَ "إلَّا" لِما بعدها، حُملت عليها، وجُعلت هي وما أُضيفت إليه بمنزلةِ "إلَّا" وما بعدها. إلّا أنّ ما بعد "غيرٍ" لا يكون إلا مخفوضًا, لأنّها تلزم الإضافةَ لَفْرطِ إبهامها، وأمّا "سوى"، فظرفٌ من ظروف الأمكِنة، ومعناه إذا أُضيف كمعنَى "مَكَانَكَ". فإذا قلت: "جاءني رجلٌ سِواك"، فكأنّك قلت: رجلٌ مكانَك، أي: في موضعك، وبَدَلٌ منك، فتنصب "سواك" على كلِّ حال، لأنّه ظرفٌ.

وفي سوى ثلاثُ لغات: فتحُ السين، وكسرُها، وضمّها. فإذا فتحتَ مددتَ، وإذا ضممت قصرت، وإذا كسرت جاز فيه الأمران، وإذا مددتَ تَبيَّن فيه الإعرابُ، وظهر النصبُ. وإذا قصرت، كان النصبُ مَنْويًّا كما يكون في "عَصًا"، وَ "رحًى". والذي يدلّ على ظَرْفيّتها أنّها تقع صِلةً، فتقول: "جاءني الذي سواك"، و"رأيت الذي سواك"، و"مررت بالذي سواك"، كما تقول: "جاءني الذي عندك".

وممّا يدلّ على ظرفيّتها أنّ العامل يتخطّاها، ويعمل فيما بعدها, ولا يكون ذلك في شيء من الأسماء إلّا ما كان ظرفًا. قال لَبِيدٌ [من مجزوء الكامل]:

وابْذُلْ سَوامَ المالِ إنْـ ... نَ سِواءَها دُهْمًا وَجُونَا (١)

فنصب "سواءها" على الظرف، و"دهمًا وجونًا" اسمُ "إنَّ"، وتخطّاه العاملُ إلى ما بعده، كما تقول: "إنّ عندك زيدًا"، قال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا} (٢) إلّا أنّ فيه معنى الاستثناء كما كان في "غَيْر". ألا ترى أنّ الذي هو مكانَه، وبدلٌ منه غيرُه، وليس إيّاه، فلذلك تقول: "مررتُ بالقوم سواك"، و"جاؤوني سواك"، و"رأيتهم سواك". فما بعدَ "سوى" مجرورٌ، وليس داخلًا فيما قبلها كما كان في "غَيْر" كذلك، إلّا أنّ بين "غَيْر"، و"سوَى" فَرْقًا، وذلك أنّ "سوى" لا تُضاف إلى معرفِة، وهي باقيةٌ على تنكيرها كما كانت "غيرٌ" كذلك, لأنّ "سوى" ظرفٌ، فإضافتُه كإضافةِ "خَلْفَكَ"، و"قُدَّامَكَ"، فوجب لذلك أنّ يكون معرفة.

فإن قيل: فأنتم تصِفون النكرةَ بـ "سوى"، كما تصفونها بـ "غير"، فتقولون: "مررت


(١) تقدم بالرقم ٢٥٥.
(٢) المزمل: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>