للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برجل سواك كما تقولون: "بغيرك"، فما بالُكم فرّقتم بينهما؟ قيل: الوصفُ بـ "سوى" لا على حدّ الوصف بـ "غير", لأنّه لا يجري عليه في إعرابه، إنّما هو منصوبٌ على الظرف، والعاملُ فيه الاستقرارُ، وذلك الاستقرارُ هو الصفةُ، كما تقول: "مررت برجل عندي". وذهب الكوفيون (١) إلى أنّها إذا استُثني بها خرجتْ عن حكم الظرفيّة إلى حكم الاسميّة، فصارت بمنزلةِ "غير" في الاستثناء، واستدلّوا على ذلك بجَوَازِ دخولِ حروف الجرّ عليها، كما تدخل على "غير"، نحوَ قول الشاعر [من الطويل]:

تَجانَفُ عن جَوّ اليَمامَة ناقَتِي ... وماقصدتْ من أهْلِها لِسِوائكا (٢)

وقال أبو دُؤادٍ [من البسيط]:

٣٠٣ - وكلُّ مَن ظَنَّ أنّ المَوْتَ مُخْطِئُهُ ... مُعَلّلٌ بسواءِ الحَق مَكْذُوبُ

ولا دليلَ في ذلك، لقِلّته وشُذوذه، وامتناعِه من سَعَةِ الكلام وحالِ الاختيار، فهو من قبيل الضرورة.

وأمّا "حَاشَا" فهو حرفُ جرّ عند سيبويه (٣)، يجرّ ما بعده، وهو وما بعده في موضعِ نصب بما قبله، وفيه معنَى الاستثناء كما أنّ "حَتَّى" حرفٌ يجرّ ما بعده، وفيه معنى الانتهاء، تقول: "أتاني القومُ حاشا زيدٍ"، و"ما أتاني القومُ حاشا زيدٍ"، والمعنى: سوَى زيدِ، قال الشاعر [من الكامل]:

٣٠٤ - حَاشَا أبِي ثَوبانَ إنّ به ... ضنّا عن المَلْحاةِ والشَّتْمِ


(١) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين، ص ٢٩٤ - ٢٩٨.
(٢) تقدم بالرقم ٢٥٦.
٣٠٣ - التخريج: البيت لأبي دواد الإيادي في ديوانه ص ٢٩٤؛ وخزانة الأدب ٣/ ٤٣٨؛ وبلا نسبة في الدرر ٣/ ٩٣؛ وشرح الأشموني ١/ ٢٣٥؛ وهمع الهوامع ١/ ٢٠٢.
المعنى: من يظنّ أنه خالد لا يموت، فهو كاذب على نفسه، ومكذوب عليه بأمور غير حقيقية.
الإعراب: "وكل": الواو: بحسب ما قبلها، "كلّ": مبتدأ مرفوع بالضمّة. "من": اسم موصول بمعنى "الذي" في محل جرّ مضاف إليه. "ظن": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والفاعل: ضمير مستتر تقديره (هو). "أنّ": حرف مشبّه بالفعل. "الموت": اسم "أنّ" منصوب بالفتحة. "مخطئه": خبرها مرفوع بالضمّة، والهاء: ضمير متصل في محلّ جرّ بالإضافة. والمصدر المؤول من "أنّ" وما بعدها سد مسد مفعولي "ظن"."معلل": خبر "كل" مرفوع بالضمّة. "بسواء": جار ومجرور متعلّقان بـ "معلل". "الحق": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "مكذوب": خبر ثاني لـ "كل" مرفوع بالضمّة.
وجملة "كلّ من ظن .. ": بحسب ما قبلها. وجملة "ظن": صلة الموصول لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "بسواء" حيث جرّ "سواء" بحرف الجر (الباء)، وهو دليل على أنّ "سواء" لا تلزم النصب على الظرفية.
(٣) الكتاب ٢/ ٣٤٩.
٣٠٤ - التخريج: البيت للجميح الأسدي في الأصمعيات ص ٢١٨؛ والجنى الداني ص ٥٦٢؛ والدرر =

<<  <  ج: ص:  >  >>