للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطال الأمرُ عليه، فجاؤوا بـ "أيْنَ" مشتملاً على جميع الأمكنة، وضمنوه معنى الاستفهام، فاقتضى الجوابَ من أولِ مرة.

ووجب أن تُبنَى على السكون، لوقوعها موقع همزة الاستفهام، إلَّا أنه التقى في آخره ساكنان، فحُركت النون لاجتماعهما، وفُتحت طلبا للخفة واستثقالًا للكسرة بعد الياء، فآثروا تخفيفَها لكثرة دَوْرها، وسعةِ استعمالها.

وفيهما معنى المجازاة لإبهامهما ووقوعِهما على كل اسم يقع بعد حرف الجزاء، ألا ترى أنك إذا قلت: "متى تَقُمْ أَقُمْ"، كان معناه: "إنْ تقم يومَ الجمعة، أقم فيه، إنْ تقم يومَ السبْت أقم فيه"؟ وكذلك إذا قلت: "أيْنَ بيتُك آتِه"، معناه: أين بيتُك، إنْ أعرفه آتِه، و"أين تكن أكن" معناه: إن تكن في المسجد، أكن فيه، إن تكن في السوق، أكن فيه. فلما كانت "مَتَى" و"أيْنَ" يشتمِلان على كل اسم من أسماء الزمان والمكان، ويقع الجوابُ عنهما معرفة ونكرة، ولم يكونا مضافَيْن إلى ما بعدهما كـ"إذْ" و"إذا"، جازت المجازاةُ بهما. قال الشاعر [من الوافر]:

أنا ابنُ جَلَا وطَلاع الثنايَا ... متى أَضَعِ العِمامَةَ تَعْرِفُوني (١)

وقال [من الخفيف]:

٦٤٦ - أَيْنَ تَصْرِفْ بها العُداةَ تَجِدْنا ... نصرِفُ العِيسَ نَحْوَها للتلاقِي


(١) تقدم بالرقم ١٠٢.
٦٤٦ - التخريج: البيت لابن همام السلولي في الكتاب ٣/ ٥٨؛ وبلا نسبة في المقتضب ٢/ ٤٨.
اللغة: العداة: ج العادي. العيس: الإبل البيض.
المعنى: إن تضرب بها العداة في مكان ما من الأرض نصرف العيس إلى هؤلاء الأعداء لملاقاتهم.
الإعراب: "أين": اسم شرط جازم مبني في محل نصب مفعول فيه متعلق بالجواب "تجدنا". "تصرف": فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت. "بها": جار ومجرور متعلقان بـ "تصرف". "العداة": مفعول به منصوب. "تجدنا": فعل مضارع مجزوم لأنّه جواب الشرط، و"نا": ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: "أنت". "نصرف": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: "نحن". "العيس": مفعول به منصوب. "نحوها": ظرف مكان متعلق بـ "نصرف"، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ جر مضاف إليه. "للتلاقي": جار ومجرور متعلقان بـ "نصرف".
جملة "أين تصرف تجدنا ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تصرف": في محلّ جر بالإضافة. وجملة "تجدنا": لا محل لها من الإعراب لأنّها جواب شرط غير مقترن بالفاء أو بـ "إذا". وجملة "نصرف": في محل نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "أين تصرف ... تجدنا" حيث عملت "أين" عمل اسم الشرط الجازم، فجزمت فعلين مضارعين، الأول فعل الشرط، والثاني جوابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>