للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"شذراً ومذراً" من "التشذر" وهو التفرق والتبذير، والميم في "مذر" بدل من الباء, و"خذعاً ومذعاً" أي منقطعين منتشرين من الخذع وهو القطع. ومن قولهم فلان مذاع، أي كذاب يفشي الأسرار وينشرها, وحيثاً وبيثاً من قولهم فلان يستحيث ويستبيث، أي يستبحت ويستثير.

* * *

يُقال: "أتيتُه صَباحَ مَساءَ، ويَوْمَ يَوْمَ "، والكلام فيه كالكلام فيما قبلَه، وذلك أنّه بُني لتضمُّنه معنى الحرف، وهو الواوُ، كأنّك قلت: "صباحًا ومساءً، ويومًا ويومًا". فلمّا حذفت الواو، بُنيا لذلك، وليس المرادُ صباحًا بعينه، أو يومًا بعينه. ولو أضفتَ، فقلت: "صباحَ مساءٍ"، لجاز، كأنّك نسبته إلى المساء، أي: صباحًا مقترِنًا بمساءٍ. وجاز إضافتُه إليه لتصاحُبهما، وكذلك الإضافةُ جائزةٌ في جميع ما تقدّم من نحوِ: "بيتَ بيتٍ"، و"بينَ بينٍ"، و"كَفَّةَ كَفَّةٍ"، يُنسَب أحدهما إلى الآخَر لَاتّفاقهما في وقوع الفعل منهما، فإن دخل على جميعِ ذلك حرفُ جرّ، لم يكن إلَّا مضافًا مخفوضًا، وبطلَ البناءُ، نحوَ: "آتيك في كلِّ صباحٍ ومساءٍ"؛ لأنّه بدخولِ حرف الجرّ، خرج عن باب الظروف، وتَمكَّن في الاسميّة، فلم يُبْنَ؛ لأن هذه الأسماء إنّما تُبنَى إذا كانت حالًا أو ظرفًا؛ لأنّه حال تَنْقُص تمكُّنَها، فلم تُقدَّر فيها الواو.

وقالوا: "تَفرْقوا شَغَرَ بَغَرَ"، أي: في كلِّ وجه لا اجتماعَ معه. وهما اسمان رُكّب أحدهما مع الآخر، فصارا اسمًا واحدًا، وبُنيا لِما تضمّناه من معنى الواو، وكان الأصل فيه: "سَغَرًا وبَغَرًا"، فحُذفت الواو لِما ذكرناه من إرادة الإيجاز والتخفيفِ، وتضمّنا معناها. والمعنيّ بالتضمّن إرادةُ معنى الحرف مع حذفه، فبُني لذلك بناءَ "خمسة عشرَ". و"شَغَرَ" مأخوذ من قولهم: "اشتغر في البلاد"، إذا أبعد فيها، أو مِن "شَغَرَ الكلبُ"، إذا رفع إحدى رِجْليه ليَبُول، فباعَدَها من الأُخرى. و"بَغَرَ" من "بَغَرَ النجمُ"، أي: سقط، وهاج بالمطر، قال العَجَاج [من الرجز]:

بَغْرَةَ نَجمٍ هاجَ لَيْلًا فانْكَدَرْ

أو من "البَغَر"، وهو العَطَش يأخذ الإبلَ، فلا تَرْوَى، وربّما ماتت به. قال الفرزدق [من البسيط]:

٦٥٨ - فَقُلتُ ما هو إلَّا الشَّأْمُ تَرْكَبُه ... كأنَّما المَوتُ في أجْنادِه البَغَرُ


٦٥٨ - التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه ١/ ١٨٣؛ ولسان العرب ٣/ ١٣٢ (جند)، ٤/ ٧٢ (بغر)؛
والتنبيه والإيضاح ٢/ ١٦؛ وتاج العروس ١٠/ ٢٢٣ (بغر)؛ وبلا نسبة في المخصّص ١٧/ ٤٩، ١٦٨.
اللغة: الشأم: بلاد الشام، أو الشمال، ولعلّه هنا اسم فرس. الأجناد: جمع الجند وهم العسكر والأعوان. البغر: العطش الذي يصيب الإبل فلا تروى معه.=

<<  <  ج: ص:  >  >>