للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزَّلٌ منزلةَ الجزء من الكلمة، فهو كصدر الكلمة من عَجُزها. وكان القياس فتحَ الياء من "معديكرب" على حدّ نظائرها من الصحيح، نحوِ: "حَضْرَمَوْتُ" و"بَعْلَبَكٌّ"، إلَّا ائهم تركوا الفتح وأسكنوه، فقالوا: "هذا معدِيكربُ"، و"رأيت معدِيكربَ" و"مررت بمعدِيكربَ"، وكذلك جميعُ ما جاء من ذلك بالياء، من نحوِ: "قالِيقَلَا" و"أيادِي سَبَا"، و"ثَمانِي عشرَة". والعلّةُ في إسكانها أمران:

أحدهما: أنهما لمّا رُكّبا، وصارا كلمة واحدة، ووقعت الياءُ حَشْوا، أشبهتْ ما هو من نفس الكلمة، نحوَ ياءِ "دَرْدَبِيس" (١)، و"عَيْطَمُوس" (٢)، فأُسكنت على حدّ سكونهما.

والوجه الثاني: أنّ الاسمَيْن إذا جُعلا اسمًا واحدًا، وكان آخِرُ الأوّل منهما صحيحًا، بُني على الفتح، والفتحُ أخفُّ الحركات، والياءُ المكسورُ ما قبلها أثقلُ من الحروف "الصحيحة" فوجب أن تُعطَى أخفَّ ممّا أُعطي الحرفُ الصحيح، ولا أخفَّ من الفتحة إلَّا السكونُ.

فإن قيل: ولِمَ أُعرب "معديكرب" ونظائرُه من نحوِ "حضرموت" و"بعلبكّ" مع أنّه مركّبٌ؟ وهلاّ بُني على حد "خمسةَ عشرَ" و"بيتَ بيتَ" فيمن ركّب؟ قيل: التركيبُ ها هنا ليس كالتركيب في "خمسةَ عشرَ"، وذلك أن "معديكرب" و"حضرموت"، وشِبْهَهما من المركّبات مشبّهة بما فيه هاءُ التأنيث من نحوِ: "طلْحَةَ" و"حَمْزَةَ"، فأُعرب كإعرابه, لأنّ اتّصال الاسم الثاني بالاسم الأوّل كاتّصال هاء التأنيث من جهةِ أنّه زيادةٌ فيه، بها تَمامُه من غيرِ أن يكون له معنًى ينفرد به. ولو كان للثاني معنًى ينفرد به، لكان كـ "خمسةَ عشرَ" في البناء. ألا ترى أنّ العشرة عدّةٌ معلومةٌ كما أنّ الخمسة كذلك، فلمّا اجتمعا، انتهيا إلى مقدارٍ آخرَ من العدد، ليس لكل واحد منهما، كما لو جمعتَهما بحرف العطف. فمعنى العطف بعد التركيب مرادٌ، والتركيبُ إنّما كان من جهة اللفظ لا غيرُ. وليس كذلك "معديكرب"؛ لأنّ "كَرِبَ" لا ينفرد بمعنًى من الجملة، فصار كتاءِ "طَلْحَةَ" و"حَمْزَةَ" ونحوِهما من الأسماء المفردة ممّا في آخِره تاءُ التأنيث.

واللغة الثانية: أن تقول: "هذا معدِيكربٍ"، فتضيف "معدي" إلى "كرب"، وتجعل "كربًا" اسمًا مذكّرًا، وتصرفه لذلك، وتُنوِّنه.

فإن قيل: فإذا كان مضافًا، فهلاّ فُتحت ياؤه في النصب، فقلتَ: "رأيت معدِيَ كربٍ"، كما تقول: "رأيت قاضِيَ واسطٍ"؟ فالجوابُ أنها لمّا أُسُكنت في حال التركيب، نحوَ: "هذا معدِيكرب"، وهو موضعٌ ينفتح فيه الصحيحُ، نحو: "حضرَموت"، أُسكنت


(١) الدردبيس: خرزة سوداء، والفَيْشَلة، والعجوز، والداهية. (لسان العرب ٦/ ٨١ (دردبس)).
(٢) العَيْطموس: الجميلة، وقيل: هي الطويلة التارّة ذات قوام وألواح، والعيطموس من النوق: الفتيّة العظيمة الحسناء، وقيل: الهرمة. (لسان العرب ٦/ ١٤٣) عطمس)).

<<  <  ج: ص:  >  >>