للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن "كم" الاستفهاميّةَ لا يكون مميّزُها إلا واحدًا منصوبًا، و"كم" الخبريةَ تفسَّر بالواحد والجمع، وتضاف إلى مفسِّرها. وبعض العرب ينصب بـ "كَمْ" في الخبر، كما ينصب في الاستفهام، وهم بنو تميم، كأنّهم يقدّرون فيها التنوينَ، وينصبون. ومعناها منوَّنةً وغيرَ منوّنة سواءٌ، وهو عربيٌّ جيّدٌ، والخفضُ أكثرُ.

فإذا فُصل بين "كم" ومميِّزها في الخبر، عدلوا إلى لغةِ الذين يجعلونها بمنزلةِ عدد منوّن، وينصبون بها؛ لأنّه قبيحٌ أن يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنّ المضاف إليه من تمام المضاف، فصارا كالكلمة الواحدة، والمنصوبُ يجوز أن يُفصل بينه وبين ما عمِل فيه، ألا تراك تقول: "هذا ضاربُ اليومَ زيدًا"، ولا تقول: "هذا ضاربُ اليومَ زيدٍ" إلا في ضرورة؟ فأمّا قول القُطاميّ [من البسيط]:

كم نالَنِي مِنْهُمُ فَضْلاً على عَدَمٍ ... إذ لا أَكادُ مِن الإقْتارِ أَحْتَمِلُ (١)

فالشاهد فيه أنّه لمّا فصل بين "كم" ومميِّزها، وهو فَضْلة، عدل إلى لغةِ من ينصب لقُبْح الفصل بين الجارّ والمجرور، ولا سيّما بغير الجارّ والمجرور، و"كم" ها هنا خبريّةٌ؛ لأنّه مدحٌ بتكثير الأفضال عليه عند عدمه لشدّة الزمان، وبلوغِ الفقر على حالٍ لا يُمْكِنه الارتحالُ للانتجاع وطلب الرزق. و"أحتملُ" من "التحمّل"، وهو الرَّحِيل، ويُروى "أجتمل" بالجيم، والمعنى: أَجْمَعُ العِظامَ، وأُخْرِجُ وَدَكَها، وأَتعلّلُ به، مأخوذٌ من "الجَمِيل"، وهو الوَدَك. ومن رواه كذلك قال: "إذ لا أزالُ". ومثلُ هذا الفصل والنصبِ قولُ زُهَيْر [من المتقارب]:

تؤمّ سِنانا (٢) ... إلخ


= المعنى: أشهد الله -جلّ وعزّ- على صدق قولي: لقد رأيتها قريبة مني، ولم يفصلني عنها سوى مسافة عشرين إصبعًا من أصابعها.
الإعراب: "فأشهد": الفاء: بحسب ما قبلها، "أشهد": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنا. "عند": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، متعلّق بالفعل قبله، وهو مضاف. "الله": لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور بالكسرة. "أن": حرف مشبه بالفعل مخفّف واسمه ضمير الشأن مقدّر. "قد": حرف تقريب وتحقيق. "رأيتها": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به. "وعشرون": الواو: حالية، "عشرون": مبتدأ مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكّر السالم. "منها": جارّ ومجرور متعلّقان بصفة محذوفة للإصبع "إصبعًا": تمييز منصوب بالفتحة. "من ورائيا": جارّ ومجرور متعلّقان بالخبر المحذوف. والياء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه، والألف: للإطلاق.
وجملة "أشهد": بحسب الفاء. وجملة "أن قد رأيتكم": في محلّ نصب مفعول به لأشهد. وجملة "رأيتها": في محلّ رفع خبر (أن) المخففة. وجملة "عشرون إصبعًا كائنة": في محلّ نصب حال.
والشاهد فيه قوله: "عشرون منها إصبعًا" حيث فصل بين "عشرون" ومميزها "إصبعًا"، وهذا قبيح.
(١) تقدم بالرقم ٦٦٨.
(٢) تقدم بالرقم ٦٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>