للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أراد: بين فَكَّيْها، فلمَّا لم يتّزِن له، رجع إلى العطف، وهو كثيرٌ في الشعر. ويؤيّد ذلك أنّك لا تأتي به في الأسماء المختلفة، نحوِ: "جاءني زيدٌ وعمرٌو"، لكونِ أحدِ اللفظَيْن لا يدلّ على الآخر. وقد قالوا أيضًا: "العُمَران"، والمراد أبو بكر وعُمَرُ، وقالوا: "القَمَران"، والمراد: الشمس والقمر، وذلك لاتّضاح الأمر فيهما وعدم الإشكال. وإنّما كانت هذه الحروف هي المزيدةَ دون غيرها لخفّتها، وذلك أنّ أخفَّ الحروَف حروفُ المدّ واللِّين، وهي الواو والألف والياء. وقد كان القياسُ أن يكون الرفع بالواو، والنصب بالألف، والجرّ بالياء، وكذلك الجمعُ الذي على حدّ التثنية، لتعذُّر الحركات فيها؛ لأنّ حكم العلامات أن تكون بالحركات، إذ كانت أقلّ وأخفّ، فلمّا كانت الحركاتُ متعذّرةً لاستيعاب الواحد لها، عدلوا إلى أشبهها من الحروف، غيرَ أنّهم أرادوا الفصلَ بين إعراب التثنية والجمع. ولم يكن الفصلُ بينهما بنفس الحروف، لأنّها سواكنُ، ففصلوا بينهما بالحركات التي قبل هذه الحروف، فكان ينبغي على ما قدّمناه أن تكون تثنيةُ المرفوع بواو مفتوحٍ ما قبلها، نحوُ قولك: "زيدَوْنِ" و"مسلمَوْنِ"، وتثنيةُ المجرور بالياء، نحوُ: "زيدَيْنِ" و"مسلمَيْنِ"، وتثنيةُ المنصوب بالألف، نحوُ: "زيدَانِ" و"مسلمانِ". ويكون رفعُ الجمع بواو مضمومٍ ما قبلها، نحوُ قولك: "الزيدُونَ" و"المسلمُونَ"، وجمعُ المجرور بياء مكسور ما قبلها، كقولك: "زيدِينَ" و"مسلمِينَ"، وجمعُ المنصوب بالألف، والألفُ لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا، كقولك: "زيدان" و"مسلمان". ولو فعلوا ذلك، لوَقَعَ الفرقُ بين التثنية والجمع في المرفوع والمجرور؛ لأنّ ما قبل الواو والياء في التثنية مفتوحٌ، وفي الجمع على غير ذلك، إلَّا أنّه كان يلتبس تثنيةُ المنصوب بجمعه، فأسقطوا الألف من علامة النصب، وجُعلت علامةَ الرفع في التثنية، فبقي النصبُ بلا علامةٍ، فاُلحق بالجرّ، وكان إلحاقُه بالجرّ أوْلى، لأمُورٍ منها:

أنّ الجرّ أقوى من الرفع؛ لأن الجرّ مختص بالأسماء، ولا يكون في غيرها، فكان إلحاقه به أولى.

الثاني: أنّ النصب أخو الجرّ، وإنّما كان أخاه؛ لأنّه يُوافِقه في كناية الإضمار، نحوِ: "ضربتُكَ"، و"غلامُكَ"، فالكافُ في "ضربتك" في موضعِ نصب، وهي في "غلامك" في موضعِ خفض، فلمّا اتّفقا في الكناية، حُمل أحدهما على الآخر.


= "كأن". "فكِّها": مضات إليه، وكذلك "ها". "والفك": الواو: حرف عطف، "الفكِّ": معطوف على "فكِّها" مجرور مثله. "فأرة": اسم "كأن" منصوب: "مسكٍ": مضات إليه مجرور. "ذُبِحَتْ": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح، وتاء التأنيث: لا محل لها، ونائب الفاعل مستتر تقديره: هي. "في سُك": جار ومجرور متعلقان بالفعل "ذُبِحَتْ".
جملة "كأن بين فكها فأرة مسكٍ": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "ذُبِحَتْ": صفة لـ "فأرة" محلها النصب.
والشاهد فيه قوله: "بين فكّها والفك"، فقد كان القياس أن يقول: بين فكيها، لكنه أتى بالمتعاطفين للضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>