للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان من الواو، وكتبوه بالياء، نحوَ: "الضُّحَى"، و"الرُّشَى"، و"الحُبَى". والحقُّ مع البصريين للقياس والسَّماع، أمّا القياس فقد ذُكر، وأمّا السماع فما حكاه أبو الخَطّاب أنّه سمع في تثنيةِ "كِبًا"، وهو العُود الذي يُتبخّر به: "كِبَوانِ"، وحكى الكسائيّ منهم أنّه سمع في "حِمًى" "حِمَوانِ"، وفي "رِضًا" "رِضَوانِ"، وهذا نصٌّ في محلّ النِّزاع، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وإن كانت فوق الثلاثة لم تقلب إلا ياء كقولهم أعشيان وملهيان وحبليان وحباريان (١). وأما مذروان (٢) فلأن التثنية فيه لازمةٌ كالتأنيث في شقاوة (٣).

* * *

قال الشارح: فإن كان المقصور فوق الثلاثة، قُلبت ألفه في التثنية ياءً على كلّ حال، وذلك من قِبَل أنّ المقصور إذا زاد على الثلاثة، لم تكن ألفه منقلبةٌ إلا عن ياء، أو مشبَّهةّ بالمنقلب عنها، سواءً كان أصلُها الياءَ، أو لا أصلَ لها. فمثالُ الأوّل "أعْشَى"، و"ملْهًى"، ونحوُهما من قولك: "مَغْزًى" و"مُعْطًى"، فهذه الألفاظُ أصلها الواو؛ لأنّ "أعْشَى" من عَشَا يَعْشُو من قوله [من الطويل]:

مَتَى تَأتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ ... تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عندها خَيْرُ مُوقِدِ (٤)

و"ملْهًى" من اللَّهْو، و"مَغْزًى" من الغَزْو، و"مُعْطًى" من "عَطَا يَعْطُو". وإنّما لمَّا وقعت الواو رابعةً، قُلبت ياءً. وهذه قاعدةٌ من قواعد التصريف أنّ الواو إذا وقعت رابعةً طرفًا؛ فإنّها تُقلَب ياءً، نحوَ: "أدْعَيْتُ"، و"أغْزَيْتُ". فعلوا ذلك حملاً له على المضارع في "يُغْزي" و"يُدْعى". فأصلُ هذا القلب في الفعل، والاسمُ محمولً عليه، فالأصلُ في "أعْشَى": "أعشَوُ"، وفي "ملْهًى": "ملْهَوٌ"، وفي "مَغْزًى": "مَغْزَوٌ"، وفي "مُدْعًى": "مُدعوٌ"، فحُوّل إلى "أعْشَيٌ" و"مُلْهَيٌ"، و"مَغْزَيٌ" و"مُدْعَيٌ"،، ثْم صارت ألفًا لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها. فهذه الألفُ منقلبهٌ عن ياء، والياءُ بدلٌ من الواو.

وأمّا المنقلبة عن الياء أصلاً، فنحوُ: "المَرْمَى"، و"المَجْرَى". تقول: "مَرْمَيانِ"، و"مَجْرَيانِ"، وهو من "رَمَيْتُ، و"جَرَيْتُ". وأمّا المشبَّه بالمنقلب، فنحوُ ألف "حُبْلَى"، و"حُبارَى"، و"أرْطًى"، و"قَبَعثَرى"، فالألفُ في "حُبْلَى" للتأنيث، وليست منقلبة عن شيء، لكنّها في حكم المنقلب عن الياء، إذ الواو لا تقع طرفًا رابعةً، ولذلك تُكتَب ياءً،


(١) الجاريان: مثنّى الحباري؛ طائر يقع على الذكر والأنثى. (لسان العرب ٤/ ١٦٠ (حبر)).
(٢) المذروان: مثنى المذرى، وهو طرف الألَية. (لسان العرب ١٤/ ٢٨٥ (ذرا)).
(٣) الشقاوة: ضدّ السعادة. (لسان العرب ١٤/ ٤٣٨ (شقا)).
(٤) تقدم بالرقم ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>