للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنون، نحو: "الزيدِينَ" و"المسلمِينَ". والنصبُ محمول على الجرّ كما كان كذلك في التثنية. وإنما اشتُرط في الياء أن يكون ما قبلها مكسورًا تحرُّزًا من ياء التثنية، فإن التثنية في الجرّ والنصب بالياء، ويكون ما قبل يائها مفتوحًا. ولم يُشترط في الواو أن يكون ما قبلها مضمومًا؛ لأنّ من المجموع ما يكون ما قبل الواو فيه مفتوحًا، وهو المقصور، نحو: "المُصْطَفَوْنَ"، و"المُعَلَّوْنَ". وقد تقدّمت العلّةُ في جعلِ، رفع الاثنين بالألف ورفعِ الجمع بالواو في فصل التثنية بما أغنى عن إعادته.

وهذه الواو حرفُ الإعراب كما كانت الألف في التثنية كذلك، وهي علامةُ الرفع والجمع والقلّةِ، فإنه لا يُجمع على هذا الجمع إلّا ما كان من الثلاثة إلى العشرة، فهو من أبنيةِ القلة، فإن أُطلق بإزاء الكثير، فتجَوُّزٌ. والحقيقةُ ما ذكرناه، وإنما كان كذلك؛ لأنّ هذا الضرب من الجمع على منهاج التثنية، فكان مثله في القلّة.

وليس كل الأسماء يُجمع هذا الجمعَ، إنما يُجمع منها بالواو والنون ما كان مذكرًا عَلَمًا لمن يعقل، أو لصفاتِ من يعقل، وذلك نحو: "الزيدون"، و"المسلمون"، فلو قلت في "هِنْد": "هِنْدون"، لم يجز؛ لأنّه وإن كان عَلمًا يعقل، فليس مذكّرًا، ولو قلت في "حَجَرٍ": "حجرون"، أو في "صَخرٍ": "صَخْرون"، لم يجز؛ لأنّه ليس بعَلَم عاقل، فلو سميتَ رجلًا بـ"حجر" أو"صخر"، جاز جمعه بالواو والنون؛ لأنه بالتسمية قد جَمع الأوصافَ الثلاثة.

وإنّما قال: "لمن يعلم"، ولم يقل: "لمن يعقل"؛ لأنّ هذا الجمع قد وقع على القديم سبحانه، نحو قوله: {والْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ} (١)، وقوله: {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (٢) وقوله: {أَمْ نَحنُ الزَّارِعُونَ} (٣)، وهو كثير، فلذلك عدل عن اشتراط العقل إلى العلم, لأنّ البارئ يوصَف بالعلم ولا يوصف بالعقل. وإنّما قال: "لمن يعلم"، ولم يقل: "لأوُلي العلم"؛ لأنّ البارئ سبحانه عالمٌ لذاته، لا بعِلْمٍ عنده، فجرى في العبارة على قاعدةِ مذهبه.

فإن قيل: ولِمَ كان الجمع بالزيادة، ولم يكن بالنُّقْصان؟ قيل: لما كان الجمع تكثيرَ الواحد، وجب تكثيرُ حروف الواحد للدلالة على الجمع، لتكون الزيادةُ كالعوض من الأسماء الساقطة. هذا هو القياس إلّا أن توجَد علّةٌ تقتضي الحذفَ والتخفيفَ.

فإن قيل: ولِمَ فُرق بين جمع من يعقل، وما لا يعقل؟ قيِل: القياس يقتضي التفرقةَ بين جمعِ من يعقل، وبين جمع ما لا يعقل، وبين كل مختلفَيْن في لفظٍ، أو معنى. هذا هو الأصل، إلّا أن يدخل شيءٌ في غير بابه لضرب من المشاكلة.

فإن قيل: ولِمَ اختصّ هذا الجمعُ بأعلامِ من يعقل وصفاتهم؟ قيل: لمّا كانت الحاجة ماسّةً إلى الأعلام للإخبار عن كل شخص ممن (٤) يعقل بما له أو عليه، من تبايُع


(١) الذاريات: ٤٨.
(٢) الواقعة: ٥٩.
(٣) الواقعة: ٦٤.
(٤) في الطبعتين "لمن"، تحريف، والتصحيح عن جدول التصويبات الملحق بطبعة ليبزغ. ص ٩٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>