فلولا دلالةُ الثانية على التأنيث كدلالتها على الجمع؛ لم تسقط التاء الأولى، لئلا يُجمع في كلمة واحدة بين علامتَيْ تأنيث. والأمر الثاني: أنّك لو أسقطتَ أحدهما، لم يُفهَم من الحرف الثاني ما يفهم من مجموعهما من الجمع والتأنيث.
فإن قيل: ولِمَ كانت الزيادةُ حرفَيْن؟ وهلّا كانت حرفًا واحدًا. قيل: إنّما زادوا حرفَيْن؛ لأنّ جمعَ المؤنّث السالم فرعٌ على جمع المذكّر السالم، فكما أن المَزيد في جمع المذكر السالم حرفان، كذلك كان مثله في جمع المؤنّث، وكان الزائد الأول حرفَ مدّ ولِين كما كان في التثنية والجمع.
وإنّما اختيرت الألفُ دون الواو والياء لخفتها وثقلِ الجمع والتأنيثِ. واختيرت التاء معها لوجهَيْن: أحدهما: أنّها تُشْبه الواوَ، ولذلك أُبدلت منها في مواضعَ كثيرةٍ، نحو:"تُكَأَةٍ"، و"تُخَمَةٍ"، والواو أختُ الألَف. والوجة الثاني: أنّها تدل على التأنيث، فرُكّبت مع الألف ليدلّا على الجمع والتأنيث. وهذه التاء هي حرفُ الإعراب في هذا الجمع؛ لأنها حرفٌ صيغت الكلمةُ عليه لمعنى الجمع، فكانت كالواو والياء في الجمع المذكر السالم، فالتاءُ والضمّةُ عليها بمنزلة الواو في "الزيدون"، والتاء والكسرةُ بمنزلة الياء في "الزيدين".
* * *
قال صاحب الكتاب: والثاني يعم من يعلم وغيرهم في أساميهم, وصفاتهم كـ "رجال" و"أفراس", و"جعافر" و"ظراف", و"جياد".
* * *
قال الشارح: قوله: "الثاني" يريد الثاني من ضربَي الجمع، وهو جمع التكسير، وهو يعُم من يعقل وما لا يعقل، نحو:"رِجالٍ"، و"أَفْراَسٍ" والمذكّرَ والمؤنّثَ، نحو:"هُنُودٍ"، و"زُيُودٍ". وإنّما قيل له:"مكسَّرٌ"، لتغيُّرِ بنيته عمّا كان عليها واحدُه، فكأنّك فككتَ بناء واحده، وبنيتَه للجمع بناء ثانيًا، فهو مشبَّهٌ بتكسير الأبنية لتغيُّر بِنْيتها عن حال الصحّة.
وهذا التغييرُ يكون تارةً بزيادةٍ، وتارة بنقصٍ، وتارةً بتغييرِ بنيةِ الواحد من غيرِ زيادة ولا نقصٍ في الحروف. فأما التغيير بالزيادة، فنحو:"رَجُلٍ"، و"رِجالٍ"، و"فَرَسٍ"، و"أَفْراسٍ". ومثالُ التغيير بالنقص "إزارٌ"، و"أُزُرٌ"، و"خِمارٌ"، و"خُمُر". وأمّا تغييرُ البناء، فهو راجع إلى تغيير الحركات، نحو:"أَسَدٍ"، و"أُسُدٍ"، و"وَثَنٍ"، و"وُثْنٍ". والأصل في ذلك الجمعُ بالزيادة لِما ذكرناه، نحو:"فَلْسٍ" و"أَفْلُسٍ" و"فُلُوسٍ"، و"كَعْبٍ"، و"أَكْعُبٍ"، و"كِعابٍ". فأمّا "إزازٌ"، و" أُزُرٌ"، و"خِمارٌ"، و"خمُرٌ"، و"أسَدٌ"، و"أُسُدٌ"، و"وثَنٌ"، و"وُثُنٌ"، فمنتقصٌ منه ومقصورٌ من "فُعُولٍ"، وأصله "أُزُورٌ"، و"أُسُودٌ"، لكنّهم حذفوا منه الواو لضرب من التخفيف.
واعلم أن إعراب هذا الضرب يكون باختلاف الحركات، نحو: "هذه دُورٌ