للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: البيت مَدْحٌ، وقد كان ينبغي أن يقول: لنا الجِفانُ البِيضُ؛ لأنّ الغُرّة بَياضٌ يسيرٌ، وكان حقُّه أن يستعمل "السُّيُوف" موضعَ "الأسياف". وهذا، وإن كان الظاهرُ ما ذكروه، إلّا أنّ العرب قد تستعمل اللفظَ الموضوع للقليل في موضع الكثير. من ذلك قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (١)، وقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} (٢)، ولا يعِد الكريمُ سبحانه بأن في الجَنَّة غُرُفاتٍ يسيرةً، وكذلك ليس المراد بقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} العشرةَ فما دونها، وإنما الإخبارُ عن هذا الجنس قليلِه وكثيرِه. وذلك أنّ الجموع قد يقع بعضُها موضعَ بعض، ويُستغنى ببعضها عن بعض، ألا ترى أنّهم قالوا: "رَسَنٌ"، و"أَرْسانٌ"، و"قَلَمٌ"، و"أَقْلامٌ"، واستغنوا بهذا الجمع عن جمع الكثرة؟ وقالوا: "رَجَلٌ"، و"رِجالٌ"، و"سَبُعٌ"، و"سِباعٌ" ولم يأتوا لهما ببناء قلّة؟ وأقيسُ ذلك أن يُستغنى بجمع الكثرة عن القلّة, لأنّ القليل داخلٌ في الكثير.

واعلم أنّ هذا الفصل بين أبنية القليل والكثير، إنّما وقع في الثُّلاثيّ لخفّة لفظه وكثرةِ دَوْره، إذ الكلمةُ إذا كثُرت، كثُر التصرُّفُ فيها، ألا ترى أنّهم قد بلغوا ببنات الثلاثة في الزيادة سبعةَ أحرف، نحو: "اشْهيبابٍ" (٣)، فزيد على الثلاثة أربعةُ أحرف، فلم يُزَدْ على الأربعة أكثرُ من ثلاثة أحرف، نحو: "احْرِنْجامٍ" (٤)، ولم يُزد على الخمسة أكثرُ من


= ٨/ ١٠٦، ١٠٧، ١١٠، ١١٦؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٢١؛ والكتاب ٣/ ٥٧٨؛ ولسان العرب ١٤/ ١٣٦ (جرا)؛ والمحتسب ١/ ١٨٧؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٥٢٧؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ١٣٥؛ والخصائص ٢/ ٢٠٦؛ والمقتضب ٢/ ١٨٨.
اللغة: الجفنات: جمع الجفنة، هي القصعة. الغرّ: البيض من كثرة الشحم.
المعنى: يصف الشاعر قومه بالكرم فيقول: إن موائدهم معدة للأضياف، وسيوفهم تقطر دمًا لكثرة خوضهم الحروب.
الإعراب: "لنا": جارّ ومجرور متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم. "الجفنات": مبتدأ مؤخّر مرفوع. "الغرّ": نعت "الجفنات" مرفوع. "يلمعن": فعل مضارع مبنيّ على السكون، والنون: ضمير في محل رفع فاعل. "بالضُّحى": جارّ ومجرور متعلّقان بـ"يلمعن". "وأسيافنا": الواو: حرف استئناف، "أسيافنا": مبتدا مرفوع، وهو مضاف. و"نا": ضمير في محل جرّ بالإضافة "يقطرن": فعل مضارع مبنيّ على السكون، والنون: ضمير في محلّ رفع فاعل. "من نجدة": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "يقطرن". "دما": تمييز منصوب بالفتحة.
وجملة "لنا الجفنات": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يلمعن": في محل نصب حال. وجملة "أسيافنا يقطرن": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "يقطرن": في محل رفع خبر المبتدأ.
والشاهد فيه قوله: "الجفنات" حيث إنه إن ثبت اعتراض النابغة على حسّان بقوله: "قلّلت جفانك وسيوفك" لكان فيه دليل على أن المجموع بالألف والتاء جمع قلّة.
(١) سبأ: ٣٧.
(٢) الأحزاب: ٣٥
(٣) مصدر "اشهاب"، بمعنى: صار لونُه بياضًا يخالطه سواد. (لسان العرب ١/ ٥٠٨ (شهب)).
(٤) مصدر "احرنجَمَ". واحْرَنْجَمَ القومُ: ازدحموا، واحرنجمتِ الإبل: اجتمعت وبركت. (لسان العرب ١٢/ ١٣٠ (حرجم)).

<<  <  ج: ص:  >  >>