سبحانه وتعالى، فالتعريفُ ثانٍ أُتي به للحاجة إلى الحديث عن كلّ واحد من أشخاص ذلك الجنس، إذ لو حُدّث عن النكرة، لَمَا علم المخاطُب عمَّن الحديثُ، ويزيد ما ذكرناه عندك وُضوحًا أنّ الإنسان حين يُولَد، فيُطلَق عليه حينئذ اسمُ رجل، أو امرأةٍ، ثمّ يُميَّز باللَّقَب، والاسم.
والمعارف خمسةٌ على ما ذكر، فمنها العَلَم الخاصّ، نحو:"زيد"، و"عبد الله"، فهو معرفةٌ؛ لأنّه موضوع بإزاء واحد بعينه لا يشركه فيه غيرُه، وقد تقدّم الكلام في الأعلام في أوّلِ الكتاب.
وقوله:"الخاصّ" تحرُّرٌ من الأسماء العامّة، نحو "رجل"، و"فرس" ونحوهما من أسماء الأجناس، فإنّ الأسماء كلّها أعلامٌ على مسمَّياتها، إلَّا أنّ منها ما مسمّاه عامٌّ، وهو اسمُ الجنس، ومنها ما مسمّاه خاصٌّ، نحو:"زيد"، و"عبد الله"، ونحوهما. فاسمُ الجنس مسمّاه عامّ، والعَلَمُ مسمّاه خاصّ.
ومنها المُضْمَر، وهو ضربٌ من الكناية فكلُّ مضمر كنايةٌ، وليس كل كناية مضمرًا. وإنّما صارت المضمرات مَعارِفَ؛ لأنّك لا تُضْمِر الاسم إلَّا وقد علم السامعُ على مَن يعود، فلا تقول:"ضربتُه"، ولا "مررت به" حتى يعرفه، ويدري مَن هو.
ومن ذلك الأسماء المُبْهَمة، وهي ضربان: أسماء الإشارة، والموصولاتُ، فأمّا أسماء الإشارة، فنحو "ذَا"، و"ذِهْ"، و"ذَانِ"، و"تَانِ"، و"أولاء". ومعنى الإشارة الإيماء إلى حاضرٍ، فإن كان قريبًا، نبّهتَ عليه بها نحو "هذا"، و"هَاتَا"؛ وإن كان بعيدًا، ألحقته كافَ الخطاب في آخره، نحو:"ذَاك" للفرق بينهما. ومعنى التعريف فيه أن يختصّ واحدًا ليعرفه المخاطبُ بحاسّة البَصَر، وغيرُه من المعارف يختصّ واحدًا ليعرفه بالقلب. ومن الفرق بين المضمر والمبهم، أنّ المضمر في الغائب يبيَّن بما قبله، وهو المظهر الذي يعود عليه المضمرُ، نحو قولك:"زيدٌ مررتُ به"، والمبهمُ الذي هو اسم الإشارة يُفسَّر بما بعده، وهو اسمُ الجنس كقولك:"هذا الرجل والثوب" ونحوه. وقد مضى الكلام على أسماء الإشارة بما فيه مَقنعٌ.
والمعنيُّ بالإبهام وقوعُها على كلّ شيء من حَيَوان وجَماد وغيرِهما، ولا تختص مسمّى دون مسمّى، هذا معنى الإبهام فيها، لا أن المراد به التنكير، ألا ترى أنّ هذه الأسماء معارفُ لِما ذكرناه فيها.
والقسم الثاني من المبهمات - وهو الاسم الموصول كـ"الَّذِي"، و"الَّتِي"، و"مَنْ"، و"ما"، وتقدّم الكلام عليها. وكلُّها معارفُ بصلاتها، فبَيانُها بما بعدها أيضًا، إلَّا أنّ أسماء الإشارة تُبيَّن باسم الجنس، والموصولات تبين بالجمل بعدها. والذي يدلّ أنّها معارف أنّه يمتنع دخولُ علامة النكرة عليها، وهي "رُبَّ"، وتُوصَف بالمعارف، نحو