"جِفانٍ"، و"قِصاعٍ"، وإنّما حذفوها لوقوعها خامسةً، كما يحذفون الخامسَ الأصلىَّ في "سَفَرْجَلٍ"، و"سَفارِجَ"، و"فَرَزْدَقٍ"، و"فَرازِدَ".
فإن قيل الهمزة أيضًا في "حَمراءَ"، و"خَضْراءَ"، و"صَحْراءَ"، و"عَذْراءَ"، تفيد التأنيث، فما بالُكم لم تذكروها مع علامات التأنيث؟ قيل: الهمزة في الحقيقة ليست عَلَمًا للتأنيث، وإنّما هي بدلٌ من الألف في مثل "حُبْلَى"، و"سَكْرَى". وإنّما وقعت بعد ألفٍ قبلها زائدةٍ للمدّ، فالتقى ألفان زائدتان، الأَولى المزيدةُ للمدّ، والثانيةُ للتأنيث، فلم يكن بدّ من حذف إحداهما أو تحريكها. فلم يجز الحذفُ في واحدة منهما، أمّا الأولى؛ فلو حُذفت، لذهب المدُّ، وقد بُنيت الكلمة ممدودةً، وأمّا الثانية، فلو حُذفت، لزال علمُ التأنيث، وهو أفحشُ من الأوّل. فلمّا امتنع حذفُ إحداهما، ولم يجز اجتماعُهما لسكونهما، تَعيَّن تحريكُ إحداهما، فلم يكن تحريكُ الأولى؛ لأنّها لو حُرّكت، لفارقت المدَّ، والكلمةُ مبنيّةٌ على المدّ، فوجب تحريكُ الثانية. ولمّا حُرّكت، انقلبت همزةً؛ فقيل:"صَحْراء"، و"حَمْراء". فثبت بما ذكرنا أن الهمزة بدلٌ من ألف التأنيث.
فإن قيل: ولِمَ قلت: إنّ الهمزة بدلٌ من ألف التأنيث؟ وهلّا قلت: إنّها أصلٌ في التأنيث كالتاء والألف. قيل عنه جوابان: أحدهما أنّا لم نَرَهم أنّثوا بالهمزة في غير هذا الموضع، وإنّما يؤنّثون بالتاء والألف في نحو:"حَمْزَةَ"، و"حُبْلَى"، فكان حملُ الهمزة في "صحراء" وبابه على أنّها بدلٌ من ألف التأنيث أوْلى، وقد تقدّم نحو من ذلك. الثاني أنّا قد رأيناهم لمّا جمعوا شيئًا ممّا في آخره همزةُ التأنيث، أبدلوها في الجمع ياءً، ولم يُحقِّقوها، وذلك قولهم في جمع "صَحْراءَ"، و"خَبْراءَ": "صَحارِيُّ"، و"خَبارِيُّ". ولو كانت أصلًا غيرَ منقلبة، لجاءت ظاهرةً، نحو قولهم في "قُرّاءٍ": "قَرارِىءُ" وفي "كوكب دُرِّيءٍ": "درارِيءُ"، فظهرت الهمزةُ ها هنا حيث كانت أصلًا؛ لأنّه من "قَرَأْتُ"، و"دَرَأْتُ". فأمّا قول بعض النحويين: أَلِفَي التأنيث، فتقريبٌ وتجوّزٌ. والحقُّ ما ذكرناه، وذلك أنّهما لمّا اصطحبتا، وبُنيت الكلمة عليهما، أطلقوا على ألف المدّ ألفَ التأنيث، فقالوا: ألفَا التأنيث.
وأمّا الياء، فقد تكون علامةً للتأنيث في نحو:"اضْرِبِي"، و"تَضْرِبِينَ"، ونحوهما، فإنّ الياء فيهما عند سيبويه ضميرُ الفاعل، وتفيد التأنيث، كما أن الواو في "اضْرِبُوا"، و"يَضْرِبُونَ" ضميرُ الفاعل، وتفيد التذكيرَ. وهي عند الأخفش وكثيرٍ من النحويين حرفٌ دالّ على التأنيث بمنزلة التاء في "قامَتْ"، والفاعل ضميرٌ مستكنّ، كما كان كذلك مع المذكّر في "اضْرِبْ"؛ فأمّا الياء في "هَذِي"، فليست علامةً للتأنيث كما ظنّ، وإنّما هي عينُ الكلمة، والتأنيث مستفاد من نفس الصيغة. وعلى قياس مذهب الكوفيين تكون الياء للتأنيث؛ لأنّ الاسم عندهم الذال وحدها، والألفُ من "ذَا" مزيدةٌ، وكذلك الياء مزيدة للتأنيث، فالمؤنّث ما وُجد فيه إحدى هذه العلامات.