للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلحاق العلامة وتركها, تقول: "فعل الرجال, والمسلماتُ والأيامُ" وفعلت.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إنّ الجمع يُكْسِب الاسمَ تأنيثًا؛ لأنّه يصير في معنى الجماعة، وذلك التأنيثُ ليس بحقيقيّ؛ لأنّه تأنيثُ الاسم لا تأنيثُ المعنى، فهو بمنزلة "الدار" و"النعْل" ونحوهما، فلذلك إذا أُسْند إليه فعلٌ، جاز في فعله التذكيرُ والتأنيثُ. فالتأنيث لِما ذكرناه من إرادة الجماعة، والتذكيرُ على إرادة الجمع، ولا اعتبارَ بتأنيث واحده أو تذكيرِه. ألا تراك تقول: "قامت الرجالُ"، و"قام النساء"، فتُؤنِّث فعلَ "الرجال" مع أنّ الواحد منه مذكّرٌ، وهو "رجلٌ"، وتُذكّر فعلَ "النساء" مع أنّ الواحد "امرأةٌ". قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} (١) {وَقَالَ نِسْوَةٌ} (٢). ولا فرق بين العُقلاء وغيرهم، فـ "الرجالُ" و"الأيّام" في ذلك سواءٌ؛ لأنّ التأنيث للاسم لا للمسمّى.

والكوفيون يزعمون أنّ التذكير للكثرة، والتأنيث للقلّة.

ويؤيّد عندك أنّ تأنيث الجمع ليس بحقيقي أنّك لو سمّيت رجلاً "كِلابًا"، أو "كِعابًا"، أو "فُلُوسًا"، أو "عُنُوقًا"، لصرفتَه. ولو كان تأنيثُه حقيقيًا، لكان حكمُه حكم "عقربٍ" إذا سُمّي به، و"سُعادَ" في الصرف.

والجمع على ضربَيْن: مكسّرٌ وصحيحٌ. واعلم أنّ الجموع تختلف في ذلك، فما كان من الجمع مكسّرًا، فأنتَ مخيَّرٌ في تذكير فعله وتأنيثه، نحو: "قام الرجال"، و"قامت الرجال" من غيرِ ترجيح؛ لأنّ لفظ الواحد قد زال بالتكسير، وصارت المعاملةُ مع لفظ الجمع، فإن قدّرتَه بالجمع، ذكّرته، وإن قدّرتَه بالجماعة، أنّثته. قال الشاعر [من الكامل]:

٨٠٩ - أَخَذَ العَذارَى عِقْدَها فنَظَمْنَهُ ... [مِن لُؤلُؤٍ مُتَتابِعٍ مُتَسَرِّدِ]


(١) الحجرات: ١٤.
(٢) يوسف: ٣٠.
٨٠٩ - التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٩٥؛ وتهذيب اللغة ٢/ ٢٨٤؛ وتاج العروس ٢٠/ ٣٨٢ (تبع)؛ وأساس البلاغة (سرد).
اللغة والمعنى: نظمنه: أدخلن حبّاته ولآلئه في سلك. المتسرّد: المتتابع.
لمّت العذراوات ما انفرط من عقدها، وأعدن إدخال لآلئه بشكل متتابع إلى السلك، حتى عاد عقدًا بديعًا.
الإعراب: "أخذ": فعل ماضٍ مبني على الفتح. "العذارى": فاعل مرفوع بالضمّة المقدّرة على الألف للتعذّر. "عقدها": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "فنظمنه": الفاء: حرف عطف، "نظم": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، والنون: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به. "من لؤلؤ": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "نظم". "متتابع": نعت مجرور بالكسرة. "متسرّد": نعت ثانٍ مجرور بالكسرة.
وجملة "أخذ العذارى": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "فنظمنه": معطوفة عليها لا محلّ لها كذلك.=

<<  <  ج: ص:  >  >>