للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أنّ كلّ اسم كان في أوّله همزةُ وصل، فإنّ همزته تسقط في التصغير، سواء كان الاسم تامًّا أو ناقصًا، فمثالُ التامّ قولك في "انطلاقٍ"، و"اقتدارٍ": "نُطَيْلِيقٌ"، و"قُتَيْدِيرٌ"، ومثالُ الناقص قولك في "ابْنٍ": "بُنَيٌّ"، وفي "اسْمٍ": "سُمَيٌّ"، وفي "اسْتٍ": "سُتَيْهَةٌ". حذفت همزة الوصل للاستغناء عنها بتحريكِ ما بعدها؛ لأنّها إنّما دخلت توصُّلًا إلى النطق بالساكن، وما بعد الأوّل في التصغير يكون أبدًا محرَّكًا، فلم يحتج إلى الهمزة. ولمّا حُذفت الهمزة، رُدّ المحذوف، لأنّ الباقي لا يفي ببناء التصغير إذ كانا حرفَيْن.

وأمّا نحو: "بِنْتٍ"، و"أُخْتٍ"، و"هَنْت"، فإنّ هذه الكِلَم وإن استُفيد منها التأنيث، فليست التاء فيها بعلامةِ تأنيث؛ وإنمّا قلنا ذلك لسكونِ ما قبلها. وتاءُ التأنيث لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا ما لم يكن ألفًا، وأيضًا فإنّ تاء التأنيث إذا اتّصلت بالاسم، يُبْدَل منها في الوقف هاءٌ، نحوُ: "شَجَرَة"، و"تَمْرَة"، وهذه تاءٌ في الوصل والوقف. هذا مذهب سيبويه فيها، وقد نصّ على ذلك في بابِ ما لا ينصرف، فقال: لو سمّيتَ بهما رجلًا؛ لصرفتَهما معرفةً، يعني "بِنْتًا"، و"أُختًا" ولو كانت للتأنيث؛ لَمَا انصرفتا كما لم ينصرف نحوُ "طَلْحَةَ"، و"حَمزَةَ"، فثبت بما ذكرناه أنّ التاء ليست للتأنيث، إنّما هي مبدلةٌ من اللام التي هي واوٌ، ألا ترى أنّ الأصل فيها: "أخَوَةٌ"، وَ"بَنَوَةٌ"، وَ"هَنَوَةٌ"، ووزنُها "فَعَلٌ" بفتح الفاء والعين، فنقلوها إلى "فُعْلٍ"، و"فِعْلٍ"، و"فَعْلٍ"، وألحقوها بالتاء المبدلة من لامها بوزن "قُفْلٍ"، و"عِدْلٍ"، و"فَلْسٍ"؟

فإن قيل: إذا زعمتم أن التاء ليست علامة تأنيث، وأنّ "بِنْتًا" ليست من "ابْنٍ" بمنزلة "صَعْبَةٍ" من "صَعْبٍ"، فما عَلَمُ التأنيث فيها؟ فالجوابُ أنّ الصيغة فيها علمُ التأنيث. والمراد بالصيغة نَقلُها من "فَعَلٍ" إلى "فُعْلٍ"، و"فِعْلٍ" و"فَعْلٍ"، وإبدالُ التاء من الواو، فإنّ هذا عَمَلٌ اختصّ بالمؤنّث، إلَّا أنّ التاء ههنا، وإن لم تكن علامة تأنيث، فهي جاريةٌ مجراها، إذ كان هذا الإلحاقُ مختصًّا بالمؤنّث، فلذلك لم يُعْتَدّ بها في بناء التصغير. فإذا صغرتَها، أعدتَ اللام المحذوفة معها كما تُعيدها مع التاء التي هي علامة التأنيث، من نحو: "ثُبَيَّةٍ" و"بُرَيَّةِ" في تصغر "ثُبَةٍ"، و"بُرَةٍ"، وألحقتَ التاء التي هي علامة التأنيث للإيذان بالتأنيث؛ لأنّ الصيغة الدالّة على التأنيث في "أُخْتٍ"، و"بِنْتٍ" قد زالت بالتصغير، وكانت التاء أوْلى بالعلامة هنا دون غيرها من علامات التأنيث؛ لشَبَهها بها من حيث كانت تاءً في الوصل.

ومن ذلك "ثِنْتانِ"، التاءُ فيه بدلٌ من اللام التي هي ياءٌ من "ثَنَيْتُ"، وهي مُلْحِقةٌ له بـ "حِلْسٍ"، و"عِدلٍ". والتاءُ في "اثنتان" للتأنيث كما كانت في "بِنْتٍ" للإلحاق، وفي "ابْنَةٍ" للَتأنيث. ومن ذلك التاءُ في "كَيْتَ"، و"ذَيْتَ"، التاءُ فيهما بدلٌ من اللام التي هي ياءٌ في "كَيَّةَ"، و"ذَيَّةَ"، وقد تقدّم الكلام عليهما في فصل الكِنايات، فاعرفه

<<  <  ج: ص:  >  >>