للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُشبَّهةٌ بتاء التأنيث، وفي حكمها، فحذفوها كحذف التاء في "رَبَعيّ"، و"جُهَنيّ". ولمّا حذفوها، أعادوا اللام المحذوفة؛ لأنّ التاء كانت بدلاً منها. فلمّا زال البدلُ، عاد المُبْدَل منه، فلذلك تقول في "بِنْتٍ": "بَنَويّ" كالمذكّر، وفي "أُخْتٍ": "أخَويّ"، فقد صار في التاء مذهبان: مذهبُ الحروف الأصلية لِما ذكرناه من سكون ما قبلها، ومذهبُ تاء التأنيث لحذفها في النسب. ويونسُ يقول: "بنتيّ"، و"أُخْتيّ"، ويُجْرِي التاء فيهما مُجرى الأصل، فكان يلزمه أن يقول في النسب إلى "هَنْتٍ"، و"مَنْتْ": "هَنْتيّ"، و"مَنْتيّ"، ولم يقل ذلك أحدٌ.

وأمّا "كِلْتَا"، فالتاء فيها بدلٌ من لامها، والألفُ فيها للتأنيث على حدّ إبدالها في "بنت"، و"أُخت". وأصلُها "كِلْوَى" كـ"ذِكْرَى". والذي يدلّ على أن اللام معتَلّةٌ قولهم في مذكّرها: "كِلَا"، و"كِلَا" فِعَلٌ، ولامُه معتلّة بمنزلة لام "حِجًا"، و"رِضًا". وأن تكون اللام واوًا أمثلُ من أن تكون ياءً, لأنّ إبدال التاء من الواو أضعافُ إبدالها من الياء، والعملُ إنّما هو على الأكثر، فعلى هذا يُنسَب إليه كما ينسب إلى "بنت"، و"أُخت"، فتقول: "كِلَويّ". فمن حيث وجب ردُّ "بنت" في النسب إلى الأصل، وجب ردّ "كلتا" إلى الأصل، وحذفت التاء، ثمّ حذفت ألف التأنيث، فقيل: "كِلَويّ". واللامُ متحرّكة؛ لأنه قد صحّ تحريكُها في "كِلَا". وقياسُ مذهب يونس أن يقول: "كِلْتَويّ"؛ لأنّ التاء بدلٌ من اللام، فهي كتاء "بنت"، و"أُخت".

وقوله: "تقول كِلْتيّ وكِلْتَويّ على المذهبَيْن" يعني يونسَ وسيبويه، وليس بصحيح؛ لأنّ سيبويه يقول: "كِلَويّ"، وكان أبو عمر الجَرْمي يذهب إلى أنّها "فِعْتَلٌ" وأنّ التاء عَلَمُ تأنيثها، والنسبة إليها: "كِلَويّ"، كما يُقال في "مِلْهى": "مِلْهَويّ". ويشهَد بفَساد هذا القول أنّ التاء لا تكون علامةَ تأنيث الواحد إلَّا وقبلها فتحةٌ، نحوُ: "طَلْحَةَ"، و"قائمةٍ"، أو يكون قبلها ألفٌ، نحوُ: "سِعْلاةٍ"، و"عِزْهاةٍ". واللام في "كِلْتَا" ساكنة كما ترى. ووجهٌ ثانٍ: أن علامة التأنيث لا تكون أبدًا حَشْوًا، إنما تكون آخِرًا لا محالةَ، وَ"كِلْتَا" اسمٌ مفردٌ يُفيد معنى التثنية، بإجماع من البصريين، فلا يجوز أن تكون التاء فيه للتأنيث، وما قبلها ساكنٌ. ووجهٌ ثالثٌ: أنّ "فِعْتَلاً" مثالَ لا يُوجَد في الكلام أصلاً، فيُحْمَلَ هذا عليه، فعلى هذا، لو سمّيت رجلاً بـ"كلتا"؛ لم تصرفه على قول سيبويه معرفةً ولا نكرةً, لأن ألفها للتأنيث (١) بمنزلة ألف "ذِكْرَى"، وتصرفه نكرة في قول الجرميّ, لأن أقصى أحواله أن يكون كـ"قائمة" و"قاعدة"، فاعرفه.


(١) انظر الكتاب ٤/ ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>