للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صريحًا، نحوَ: "مررت برجل واحد". قال الله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (١) وإذا جرى على مؤنّثٍ، أُنّث، نحوَ: "مررت بامرأة واحدة". قال الله تعالى: {إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (٢). وقد استعملوا "أحدًا" بمعنَى "واحد" الذي هو اسمٌ. قالوا: "أحدٌ وعشرون"، و"أحَدَ عَشَرَ" بمعنَى "واحد وعشرين"، و"واحد وعشرة". وألِفُ "أحد" هنا بدلٌ من واو، لأنّه من الوحدة، والأصلُ: "وَحَدٌ". يُقال: "واحدٌ"، و"أحَدٌ"، و"وَحَدٌ" بمعنى واحدٍ. ومنه قول النابغة [من البسيط]:

٨٤٨ - كأنّ رَحْلِي وقد زالَ النَّهارُ بنا ... بذِي الجَلِيلِ على مُسْتَأنِسٍ وَحَدِ

وقد انّثوا "أحدًا" على غير بنائه، قالوا: "إحْدَى"، ولا يستعملونه إلَّا مضمومًا إلى غيره، قال أبو عمرو: ولا تقول: "جاءني إحدى"، ولا "رأيت إحدى". وليست "أحدٌ" هذه التي في النفي من نحو "ما جاءني أحدٌ"؛ لأن معنى تلك العمومُ والكثرةُ بمعنى عَرِيبٍ ودَيّارِ، ولذلك لا تُستعمل في الواجب، وهمزتُها أصلٌ، ولا تُثنَّى، ولا تُجمع، لأن معناها يدلّ على الكثرة، فاستُغني به عن التثنية والجمع بخلاف "أحد" التي في العدد، فإنّها تجمع على "آحادٍ".

وأمّا "حاديَ" من قولهم: "حادِيَ عَشَرَ"، و"حادِي عشرين"، فكأنّه مقلوب من "واحد"، أخّروا الفاء إلى موضع اللام، وجعلوا الزيادة بعد العين, لأن الألف لا يمكن الابتداء بها، فصار وزنُ "حادي": "عالِف"، والقلبُ كثير في كلامهم من نحو: "شاكِي السِّلاحِ"، وأصله "شائِكٌ"؛ لأنه من الشَّوْكة شُبّه الحديد بالشَّوْك لخُشونته.


(١) النساء:١٧١.
(٢) لقمان: ٢٨.
٨٤٨ - التخريج: البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص ١٧؛ والأزهيّة ص ٢٨٥؛ وخزانة الأدب ٣/ ١٨٧؛ والخصائص ٣/ ٢٦٢؛ ولسان العرب ٥/ ٢٣٧ (نهر)، ٦/ ١٥ (أنس)، ١١/ ٣١٥ (زول).
اللغة والمعنى: الرحل: أداة ركوب الإبل. زال النهار: صار في وقت الزوال، قبيل الغروب. ذو الجليل: موضع. الوحد: الواحد.
شبّه رحله عند المغيب في هذا الموضع بأنه على مستأنس واحد.
الإعراب: "كأنّ": حرف مشبه بالفعل. "رحلي": اسم "كأنّ" منصوب بالفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "وقد": الواو: حالية، "قد": حرف تحقيق وتقريب. "زال": فعل ماضٍ مبني على الفتح. "النهارُ": فاعل مرفوع بالضمّة. "بنا": جارّ ومجرور متعلّقان بـ"زال". "بذي": جارّ ومجرور بالياء لأنه من الأسماء الخمسة، متعلّقان بخبر "كأن" المحذوف. "الجليل": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "على مستأنس": جارّ ومجرور متعلّقان بحال محذوف. "وحد": نعت لمستأنس مجرور بالكسرة.
وجملة "كأن رحلي": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "وحد" بمعنى واحد وأحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>