للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل ذلك من الجمع "عَرَفاتٌ"؛ وهي معرفة لأنّها اسمٌ لبِقاع معلومة، غيرِ متفرّقة، ولا موجودةِ بعضُها دون بعض. ويدلّ على أنّها معارف ما حكاه سيبويه عنهم من قولهم: "هذه عرفاتٌ مباركًا فيها" (١)؛ فانتصابُ الحال بعدها يدلّ على أنّها معرفة. وفيها لغتان: الصرفُ وتركُه. والصرفُ أفصح من حيث كان جَمْعًا لمواضع مجتمعة؛ كأنّ كلّ موضع منهم عَرَفَةُ، فجُعلت مكانًا واحدًا، ووُضح لها اسم خاصّ. وتنوينُها في الحقيقة تنوينُ مقابلةٍ. والتاء للجمع لا لمجرَّدِ التأنيث. قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} (٢) بالتنوين.

وحالُ "أَذْرِعاتٍ" كحال "عرفات". قال امرؤ القيس [من الطويل]:

٨٧ - تَنَوَّرْتُها من أَذْرِعاتٍ وأَهْلُها ... بِيَثْرِبَ أَدْنَى دارِها نَظَرٌ عالِي

يروى بالصرف وتَرْكه، على ما ذكر.


= والشاهد فيه قوله: "عصم عمايتين" حيث استخدم للجبلين اسمًا واحدًا مثنًى، جعله معرفة وأضاف إليه "عصم".
(١) الكتاب ٣/ ٢٣٣.
(٢) البقرة: ١٩٨.
٨٧ - التخريج: البيت لامرىء القيمى في ديوانه ص ٣١؛ وخزانة الأدب ١/ ٥٦؛ والدرر ١/ ٨٢؛ ورصف المباني ص ٣٤٥؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٤٩٧؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢١٩؛ وشرح التصريح ١/ ٨٣؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٣٥٩؛ والكتاب ٣/ ٢٣٣؛ والمقاصد النحويّة ١/ ١٩٦؛ والمقتضب ٣/ ٣٣٣، ٤/ ٣٨؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ١/ ٤١؛ وشرح ابن عقيل ص ٤٤.
اللغة: تنوّرتها: تبصّرت نارها من بعيد. أذرعات: بلد في أطراف الشام. يثرب: اسم مدينة، وهي التي هاجر إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد، فسمّيت المدينة المنوّرة. أدنى: أقرب. نظر عال: أي يحتاج إلى نظر بعيد.
المعنى: يتوهّم الشاعر أنه نظر إلى النار المشبوبة في دار الحبيبة، وهو بعيد عنها يتحرّق لرؤيتها ويتمنىّ لقاءها.
الإعراب: "تنوّرتها": فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متّصل في محل رفع فاعل، و"ها": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. "من أذرعات": جار ومجرور متعلّقان بـ "تنوّرتها" "وأهلها": الواو حالية، "أهلها": مبتدأ مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محلّ جرَّ بالإضافة. "بيثرب": جار ومجرور متعلّقان بخبر المبتدأ المحذوف تقديره: موجودون. "أدنى": مبتدأ مرفوع وهو مضاف."دارها": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها": ضمير متّصل مبنيّ في محل جرّ بالإضافة."نظر": خبر المبتدأ مرفوع. "عالي": نعت "نظر" مرفوع بالضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص، والياء: لإشباع الحركة.
جملة "تنوّرتها ... " الفعلية: ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "وأهلها بيثرب" الاسمية: في محلّ نصب حال. وجملة "أدنى دارها نظر" الاسمية: استئنافية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "أذرعات" حيث يجوز فيه: =

<<  <  ج: ص:  >  >>