للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّما تقع عند تنكيره، وإرادةِ تعريفه بالإضافة، وأمّا "أحدَ عشرَ" و"خمسةَ عشرَ" ونحوُهما من الأعداد المركبة، فإنّها مبهمةٌ لازمٌ لها التفسيرُ، فكانت تكون الإضافة لازمة، وكان يؤدي إلى جعل "ثلاثة أشياء" اسمًا واحدًا، وذلك ممّا لا نظيرَ له، فإن أضفته إلى مالكه، وقلت: "هذا أحدَ عشرك، وخمسةَ عشرك"، جاز؛ لأنّ الإضافة إلى المالك ليست لازمة كلزوم المميِّز، فكان كقولك: "هذا حضرموتُ زيدٍ"، فإذا أضفته، أبقيته علي بنائه؛ لأنّ العلّة الموجِبة باقيةٌ، ومنهم من يُعْرِبه، فيقول: "هذا خمسة عشرُك"، و"مررت بخمسة عشرِك"، و"رأيت خمسة عشرَك"، ويحتجّ بأنّ الإضافة تردّ الأشياء إلى أصولها، ومن يقول: "هذه خمسة عشرَك" فيضيف، لا يقول: "هذه اثنَا عشرَك" فيضيف, لأنّ "عشر" فيه قد قام مقام النون، والإضافةُ تَحْذِف النونَ، فلم يجز أن تُجامِع ما قام مقامَها، ولا يجوز حذفُ "عشر"، فيقالَ: "اثْناك"؛ لانّه يُلْبِس بإضافة "الاثنين"، فلا يُعلَم أمُركّبًا أضفتَ، أم مفردًا.

فإن قيل: فلِم كان المفسِّر واحدًا منكورًا، وهلّا كان جمعًا، فيقال: "عندي خمسةَ عشرَ غلمانًا"، كما تقول: "هو أَفْرَهُ الناس عبدًا"، وإن شئت: "عبيدًا"؟ قيل: الفرق بينهما أنّك إذا قلت: "زيدٌ أفره الناس عبدًا"، فإنّما تعني عبدًا واحدًا، وإذا قلت: "عبيدًا"، فإنّما تعني جماعة، فلولا جمعُ المفسِّر؛ لمَا عُرف مرادك. ومنه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (١)، جمع المميِّز للإيذان بأنّ خُسْرانهم إنّما كان من جهات شتّى لا من جهة واحدة. وأمّا إذا قلت: "عندي خمسة عشرَ عبدًا"، فالعدّة معلومة من العدد، ولم يبق إلا بيانُ الجنس، فأغني فيه الواحدُ عن الجمع. وإنما كان نكرةً لأنّه أخفُّ، وبه يحصل الغرضُ، فلم يُعدَل عنه إلى ما هو أثقلُ منه.

وكذلك "العشرون"، و"الثلاثون" إلى "التسعين"، فإنّه يُفسَّر بالواحد المنكور، نحو قولك: "عندي عشرون درهمًا، وثلاثون عمامةً" لِما ذكرناه في المركّبات، نحو: "أحدَ عشرَ"، وهاهنا أوْلى لوقوعه بعد النون. ولعدم تمكُّنه، لم يجز حذفُ نونه وإضافتُه إلى الجنس المميز، فلم يقولوا: "عِشْرُو درهمٍ"، كما قالوا: "ضاربون زيدًا"، و"ضاربو زيدٍ"، وفي الصفة المشبَّهة، نحو: "حسنون وجوهًا"، و"حسنو وجوهٍ"؛ لأنّ "العشرين" وأخواتها لم تقو قوَّةَ اسم الفاعل ولا الصفةِ، فأُلْزِمت طريقةً واحدةً، وتُحذَف إذا أضيف إلى المالك، نحو قولك: "عِشْرُو زيدٍ"، فلذلك لم يكن التفسيرُ إلا واحدًا, لأن الواحد دالٌّ على نوعه، فإن قلت: "عندي عشرون رجالًا"؛ كنت قد أخبرت أنّ عندك عشرين، كلُّ واحد منهم جماعةُ رجالٍ، كما قالوا: "جِمالانِ"، و"إبلانِ"، فاعرفه.


(١) الكهف:١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>