للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الاسم الثاني هو الفارقَ بين المذكر والمؤنّث على القاعدة في كل مؤنّث؟ قيل: القاعدة في العدد من "الثلاثة" إلى "العشرة" قبلَ أن يصير نيّفًا ما ذكرناه، ولم يوجد ما يوجب العدول عنه. ويؤيّد ذلك أنّك تؤنّث الاسمْ الأوّل، فإذا كان نيّفًا مع المؤنّث فيما ليس أصله التأنيث، نحو: "إحْدَى عَشْرَةَ جاريةً"، و"اثْنتَا عَشْرَةَ عِمامةً"، و"ثِنْتَا عَشْرَةَ جُبَّةً"، فتأنيثُ الاسم الأوّل، إذا عُلّق على مؤنّث، دليلٌ على ما قلناه، لأنّه لم يكن فيه تاء، فتُحذَف إذا وقعت على مؤنّث، كما كان في "ثلاثة" و"أربعة".

فإن قال قائل: فما بالُكم قلتم: "إحدى عشرة"، و"إحدى" مؤنّثةٌ و"عشرة" فيها تاء التأنيث، وكذلك "اثنتا عشرة"؟ فالجواب في ذلك أن تأنيث "إحدى" بالألف، وليس بالتأنيث الذي على جهة المذكّر، نحو: "قائم"، و"قائمة". وإذا كان كذلك، لم يمتنع دخول التاء عليها, لأنّ ألف التأنيث بمنزلة ما هو من نفس الحرف، ألا ترى أنّهم قالوا: "حُبْلَى"، و"حَبالَى"، فلم يُسْقِطوا الألف في التكسير كما أسقطوا التاء في "قَصْعَة"، و"قِصاع"، و"جَفْنَة"، و"جِفان". وقالوا: "حُبْلَياتٌ"، فلم يسقطوا ألف التأنيث لاجتماعها مع التاء كما حذفوها في "مسلماتٍ" لاجتماعها مع التاء، فلذلك يسقطونها مع "ثلاثة" من "العشرة"، ولا يسقطونها من "عشرة" مع "إحدى". وأمّا "اثنتان"، و"ثنتان"، فليس تأنيث "الاثنين"، ولكنه تأنيثٌ بُني الاسم عليه، فلا ينفرد له واحدٌ من لفظه، فالتاء فيه ثابتةٌ، وإن كان أصلها أن تكون فيما واحدُه بالهاء، ألا ترى أنّهم قالوا: "مِذْرَوانِ" (١) لا ينفرد له واحد، ولو كان ممّا ينفرد له واحد، لم يكن إلَّا "مِذْريَانِ"، وكذلك "عقلته بثِنايَيْن" (٢)، ولو كان فيما ينفرد الواحد منه، لم يكن إلَّا "بثنائَيْن" بالهمزة.

ووجهٌ "ثان" أنّ "اثنتين" في معنى "ثِنْتَيْن"، وليست التاء في "ثنتين" لمحض التأنيث، إنّما هي للإلحاق كتاء "بِنْتٍ"، فحُملت في الثبات على أختها.

فأمّا، "عشرة" من "اثنتي عشرة"، ففي شينها لغتان: كسرُ الشين وإسكانُها، فبنو تميم يفتحون العين ويكسرون الشين، ويجعلونها بمنزلة "كَلِمَةٍ"، و"ثَفِنَةٍ"، وأهلُ الحجاز يسكنون الشين ويجعلونها بمنزلة "ضَرْبَةٍ". وهذا عكسُ ما عليه لغةُ أهل الحجاز وبني تميم؛ لأن أهل الحجاز في غير العدد يكسرون الثاني، وبنو تميم يسكّنون، فيقول الحجازيون: "نَبِقَةٌ"، و"ثَفِنَةٌ"، ويقول التميميون: "نَبْقَةٌ"، و"ثَفْنَةٌ" بالسكون، فلمّا رُكب الاسمان في العدد؛ استحال الوضعُ، فقال بنو تميم: "إحدى عَشِرَةَ، وثنتا عَشِرَةَ"، إلى "تسع عشرة"، وقال أهل الحجاز: "عَشْرة" بسكونها. وذلك أنّ العدد قد نُقضت في كثير منه العاداتُ، من ذلك قولهم في "الواحد": "وَاحِدٌ"، و"أَحَدٌ"، فلمّا صاروا منه إلى


(١) المذروان: أطراف الأليتين. (لسان العرب ١٤/ ٢٨٥ (ذرا)).
(٢) أي: عقلت يديه جميعًا بحبل أو بطرفي حبل (لسان العرب ١٤/ ١٢١ (ثني)).

<<  <  ج: ص:  >  >>