للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حتي تهجر في الرواح وهاجه] ... طلب المعقب حقه المظلوم (١)

أي كما يطلب المعقب المظلوم حقه.

* * *

قال الشارح: إذا عطفت على ما خُفض بالمصدر، جاز لك في المعطوف وجهان:

أحدهما: أن تحمله على اللفظ، فتخفضه، وهو الوجه.

والآخر: أن تحمله على المعنى؛ فإن كان المخفوض مفعولًا في المعنى، نصبت المعطوف؛ وإن كان فاعلاً، رفعته، فتقول: "عجبت من ضرب زيدٍ وعمرو"، وإن شئت: و"عمرًا"، فهو بمنزلة قولك: "هذا ضاربُ زيدٍ وعمرٍو، وعمرًا". وإنّما كان الوجه الجرّ لتشاكُل اللفظين واتفاق المعنيين، وإذا حملته على المعنى، كان مردودًا على الاوّل في معناه، وليس مُشاكلًا له في لفظه. وإذ حصل اللفظُ والمعنى، كان أجود من حصول المعنى وحدَه، وإذا نصبت؛ قدّرت المصدر بالفعل، كأنّك قلت: "عجبت من أن ضرب أو من أن يُضْرب"، ليتحقق لفظُ الفاعل والمفعول. فأمّا قوله [من الرجز]:

قد كنتَ دايَنْتَ بها حَسّانا ... مَخافَةَ الإفْلاسِ واللَّيانَا

يُحْسِنُ بَيعَ الأَصْلِ والقِيانا

الشعر لزِياد العَنْبَري، والشاهد فيه نصب "اللّيان" بالعطف على المعنى، وذلك كأنّه قال: "وتخافُ الليانَ". ويجوز أن يكون معطوفًا على "مخافة"، والتقدير: مخافةَ الإفلاس ومخافةَ الليّان، ثم حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وكذلك "القيان" هو منصوب على معنى الأصل, لأن المراد: يحسن أن يبيع الأصلَ والقيانَ. والقَيْنَةُ: الأَمَةُ مُغَنْيَة كانت أو غيرَ مغنية، يريد أنَّه دايَنَ بها -يعني الإبل- حسّان؛ لأنه مَلِيءٌ لا يُماطِل مخافَة أن يُدايِن غيرَه ممّن ليس بمَلِيء، فيُماطِل لإفلاسه. واللَّيانُ: مصدر بمعنى "اللَّي". ومنه قوله عليه السلام: "لَيُّ الغَنِي ظُلْمٌ" (٢).

والنعت في ذلك كالعطف في جواز العمل على اللفظ والمعنى، تقول فيه: "عجبت من ضرب زيدٍ الظريف" بالخفض على اللفظ، و"الظريفُ" بالرفع على المعنى.

ومنه قول لَبِيد [من الكامل]:

حتى تَهَجَّرَ في الرَّواح وهاجَه ... طَلَبَ المعقِّبِ حَقَّهُ المظلومُ

يصف عَيْرًا، يقول: حتى تهجر في الرواح، أي: سار في الهاجِرة، وهاجه: يعني


(١) تقدم بالرقم ٢٣٧.
(٢) الحديث بلفظ "مطل الغني ظلم" في صحيح مسلم كتاب المساقاة، رقم ١٥٦٤؛ وصحيح الترمذي في كتاب البيوع، رقم ١٣٠٨؛ وسنن أبي داود في كتاب البيوع، رقم ٣٣٤٥؛ وسنن النسائي في كتاب البيوع بالرقم ٤٦٩٢، والرقم ٤٦٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>