للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (١) و {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (٢).

وإنّما قلنا: إن التنوين مراد, لأنّه لو لم يكن مرادًا؛ لكان معرفة، ولو كان معرفة؛ لكنت قد أخبرت عن النكرة بالمعرفة، وذلك قلبُ القاعدة، فالتقديرُ: "إلَّا آتٍ الرحمنَ عبداً"، و"كلُّ نفس ذائقة الموتَ". والتنوين هو الأصل، والإضافة دخلت تخفيفًا، ولو لم يكن التنوين هو الأصل، لما جاز دخول التنوين؛ لأنّه ثقيل.

وممّا يدل على إرادة التنوين وأنفصاله ممّا أضيف إليه، أنك قد تجمع بين الإضافة والألف واللام، فتقول: "هذا الضارب الرجلِ والضاربا زيدٍ"، ولا تقول: "الغلام الرجلِ" ولا "الغلاما زيدٍ".

وإذ كان التنوين مرادًا حكمًا، وهو الأصل، كانت الإضافة منفصلة، وكان المخفوض منصوبًا في الحكم, لأنّه مفعول، وذلك أن اسم الفاعل لا يضاف إلَّا إلى المفعول، ولا يضاف إلى الفاعل كالمصدر، فلا تقول: "هذا ضاربُ زيدٍ"، و"الضارب" هو"زيد", لأن الاسم لا يضاف إلى نفسه.

وقوله: "يعمل عملَ الفعل في التقديم والتأخير والإظهار والإضمار" إشارة إلى قوّة عمل اسم الفاعل لقوّة مُشابَهته للفعل من الجهات التي ذكرناها. فمثالُ إعماله مقدَّمًا: "هذا ضارب زيدًا"، فـ"هذا" مبتدأ، و"ضارب" الخبر، و"زيد" منصوب بـ"ضارب"، وقد تقدّم الكلام عليه. ومثالُه مؤخرًا: "هو عمرًا مكرمٌ "؛ فأمّا إعماله مضمرًا، فقد فسّره بقوله: "هو ضاربُ زيدٍ وعمرًا" بمعنى أنّك إذا عطفته على المخفوض، كان بتقدير ناصب، فبعضهم يقدره فعلاً، أي: ويضرب عمرًا, لأن اسم الفاعل في معنى الفعل، وبعضهم يقدره اسم فاعل منونًا، يكون الظاهر دليلاً عليه. والحقُّ أن انتصاب المعطوف على معنى الأول، لأنّه مفعول والتنوين مراد، فهو كقول الشاعر في المصدر [من الرجز]:

مَخافةَ الإفلاسِ واللَّيّانا (٣)

وإذا كان في اللفظ ما ينصبه؛ لم تحتج إلى تقدير محذوف، ولذلك مثّله سيبويه بقوله [من البسيط]:

٨٩٥ - جِئْني بمِثْلِ بني بَدْرٍ لِقَوْمهمِ ... أو مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْظُورِ بنِ سَيارِ


(١) مريم: ٩٣.
(٢) آل عمران: ١٨٥، والعنكبوت: ٥٧.
(٣) تقدم بالرقم ٨٩٤.
٨٩٥ - التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص ٢٣٧؛ والكتاب ١/ ٩٤، ١٧٠، وشرح أبيات سيبويه١/ ٦٦؛ والمقتضب٤/ ١٥٣؛ وبلا نسبة في المحتسب٢/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>