للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الحقيقة، فكان حكمها في عدم التعدّي حكم أفعالها, لأنها فروعٌ في العمل عليها، فأقصى درجاتِها أن تُساوِيَها، وأمّا أن تفوقها فلا.

وإنّما تعدّيها على التشبيه لا على الحقيقة، ألا ترى أنّك إذا قلت: "زيدٌ ضاربٌ عمرًا"، فالمعنى أن الضرب وقع بعمرو، وإذا قلت: "زيدٌ حسنُ الوجهِ"، فلست تُخْبِر أن "زيدًا" فَعَلَ بالوجه شيئًا، بل "الوجهُ" فاعلٌ في المعنى, لأنّه هو الذي حسُن، ولذلك قال سيبويه: ولا تعني أنّك أوقعتَ فعلًا، وإنّما أخبرت عن "زيد" بالحسن الذي للوجه، كما قد تصفه بذلك إذا قلت: "مررت برجل حسن الوجهِ"، وكان الأصل "مررت برجلٍ حسنٍ وجهُه"، وصفتَه بحسن وجهه، وقد يوصَف الشيء بفعلِ غيره إذا كانت بينهما وُصْلَة في اللفظ بضمير يرجع إلى الموصوف، نحوَ: "مررت برجلٍ قائمٍ أبوه" حلَّيتَه بقيام أبيه للعُلْقَة التي ذكرناها، كذلك ها هنا.

واعلم أن الصفات على ثلاث مراتبَ: صفة بالجاري كاسم الفاعل واسم المفعول، وهي أقواها في العمل لقربها من الفعل، وصفةٌ مشبّهةٌ باسم الفاعل، فهي دونها في المنزلة؛ لأن المشبّه بالشيء أضعفُ منه في ذلك الباب الذي وقع فيه الشبَهُ، ثمّ المشبّهة بالمشبّهة، وهي المرتبة الثالثة، وستأتي بعدُ. فلمّا كانت الصفات المشبّهة في المرتبة الثانية، وهي فروع على أسماء الفاعلين إذ كانت محمولة عليها؛ انحطّت عنها، ونقص تصرّفُها عن تصرُّف أسماء الفاعلين، كما انحطت أسماء الفاعلين عن مرتبة الأفعال، فلا يجوز تقديم معمولها عليها كما جاز ذلك في اسم الفاعل، فلا تقول: "هذا الوجْهَ حسنٌ"، كما تقول: "هذا زيدًا ضاربٌ"، ولا تُضْمِره، فلا تقول: "هذا حسنُ الوجهِ والعينَ"، فتنصبَ "العين" على تقديرِ: و"حسن العينَ"، كما تقول: "هذا ضاربُ زيدٍ وعمرًا" على تقديرِ، و"ضاربٌ عمرًا".

ولا يحسن أن تفصل بين "حسن" وما يعمل فيه، فلا تقول: "هو حسن في الدار الوجهَ، وكريمٌ فيها الأبَ"، كما تقول: "هذا ضاربٌ في الدار زيدًا"، فاسمُ الفاعل يتصرّف، ويجري مجرى الفعل لقوّة شَبَهه، وجَرَيانه عليه، وهذه الصفات مشبَّهة باسم الفاعل، والمشبّه بالشيء يكون دون ذلك الشيء في الحكم، فلذلك تعمل في شيئين لا غير؛ أحدهما: ضمير الموصوف، والثاني: ما كان من سبب الموصوف. ولا تعمل في الأجنبيّ، فتقول: "مررت برجل حسن"، فيكون في "حسن" ضميرٌ يعود إلى الموصوف، وهو في موضعِ مرفوع بـ "حسن". وتقول: "مررت برجلٍ حسنٍ وجهُه" فترفع "الوجه" بـ "حسن"، وهو من سبب "رجل". ولولا الهاء العائدة على "رجل" من "وجهه"، لم تجز المسألة.

ولو قلت: "مررت برجلٍ حسنٍ عمرٌو"، لم يجز, لأن الحسن لـ "عمرو"، فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>