للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقَّ". حملوا هنا الصفة على اسم الفاعل، فنصبوا بها، وإن كانت غير متعدّية، كما حملوا اسم الفاعل على الصفة المشبهة، حيث قالوا: "مررت بالضارب الرجلِ". وإنّما قلنا ذلك لأنّه معرفة لا يحسن نصبه على التمييز. وقد أجاز أبو علي، ومن وافقه، أن يكون منصوبًا على التمييز، وإن كان فيه الألف واللام، وذلك أنّه قال: لا فرقَ بين دخول الألف واللام وعدمها، لو قال: "هو حسنٌ وجهًا"، وإذا قد جاء "الجَمّاء الغفير"، و"فَاهُ إلى فِيَّ"، و"أرسلها العِراكَ"، فلم يمتنع من كون مثل هذا منصوبًا على الحال؛ لأنّ فائدته فائدةُ النكرة، فلم يمتنع أن يكون هذا منه، وهو وجةٌ حسنٌ لولا شناعةٌ في اللفظ. فاقا قوله [من الوافر]:

ونأخذ بعده ... إلخ

فإن الشاهد فيه نصب "الظهر" مع الألف واللام بـ "أجَبَّ", لأنّه في نيّة التنوين، ولو كان في غير نيّة التنوين لانجرّ ما بعده بالإضافة. وصف النغمان بن المُنْذر، وأنّه إن هلك صار الناس بعده في أَسْوَأ حالٍ، وأضيَقِ عيشٍ، وتَمسَّكوا بمثل ذنبِ بَعِيرٍ أجبَّ، وهو الذي لا سَنَام له من الهُزال، والذِّناب والذُّنابَى: هو الذَّنَبُ.

السادس: وهو قولك: "مررت برجل حسنِ وَجْهِه"، بإضافة "حسن" إلى "وجهه كما تقول: "حسنِ الوجهِ" أجازه سيبويه (١)، قال: شبهوه بـ "حَسَنِ الوجهِ"، يعني جعلوا الإضافة مُعاقبة للألف واللام. قال: وهو رديء، يعني أنه قد جاء عن العرب مع رداءته، وذلك أن الأصل "كان زيدٌ حسن وجهُه"، فالهاء تعود إلى "زيد"، فنُقلت الهاء إلى الصفة، وصارت الصفة مُسْنَدة إلى عامّة بعد أن كانت مسندة إلى خاصّة، واستكنّ الضمير في الصفة، وصار مرفوعَ الموضع بفعله، بعد أن كان مجرور الموضع بالإضافة، فلا يحسن إعادتُها مع إسناد الصفة إليها؛ لأن أحدهما كاف، فلذلك كان رديئًا.

ووجهُ جوازه جعلُ الضمير مكان الألف واللام, لأنهما يتعاقبان، وبقي الضمير الأول على حاله، فعاد إلى الأوّل ضميران: أحدهما مرفوع، والآخر مجرور بمنزلة قولك: "زيد ضاربُ غلامِه"، ففي "ضارب" ضميرٌ يعود إلى "زيد" مرفوعٌ، وفي "الغلام" ضميرٌ يعود إليه مجرورٌ. وأنشد [من الطويل]:

أَمِنْ دمْنَتَيْنِ عَرَّجَ الرَّكْبُ فيهما ... بحَقْلِ الرُّخامَى قد عَفَا طَلَلاهما

أقامت على رَبْعَيهما جارَتا صَفًا ... كُمَيْتَا الأعَالِي جَوْنَتا مُصْطَلاهما

البيتان للشمّاخ، والشاهد في البيت الثاني في قوله: "جونتا مصطلاهما" فـ "جونتا" مثنّى بمنزلة "حسنا"، وقد أضيف إلى "مصطلاهما"، فـ "مصطلاهما" بمنزلة "وجوههما"


(١) الكتاب: ١/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>